خطورة العجب وإساءة الظن بالآخرين

0 242

السؤال

لي صديق لديه من العلم الشرعي الشيء الوفير، إذ يستمع كثيرا إلى علمائنا الأفاضل، ولكن له مشكلة هي أنه لا يطاق الحديث معه، وله أسلوب ينفر من حوله من الناس، وأنا أخشى أني لم أعد أطيق الحديث معه، ولم يعد فيه متعة لماذا؟ السبب أنه يرى دائما أن رأيه هو الصائب، ويرى أني لا أعلم شيئا معه، ولا يقبل النقاش، وكل حديثه مع الناس أصبح: هذه بدعة، هذا حرام، أو لا يجوز شرعا، وأنا أعترف أنه يعرف أكثر مني، لكن أخشى إنه إذا تحدث مع شخص لازال غير متمسك بدينه بهذه الطريقة أن ينفره، وربما يسبه ويسب الدين والعياذ بالله، وأنا نصحته أن يبدل طريقته هذه، لكن بما أنه يرى أنه أفضل مني علما فلا يعطيني أدنى إنتباه، بل أحيانا أحس أنه يحتقر رأيي في مسألة من المسائل، ويرى أن زماننا يلزم فيه التعصب، وأحيانا يسب بعض الشيوخ من التلفاز، ويقول يجب التحذير منهم. بالله أسألكم له الدعاء ولي أن أحفظ القرآن، وما رأيكم في هذه المسألة؟ وللعلم أنا لم أعد أحب الجلوس معه أبدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يوفقكم لأرشد أمركم، وأن يعيذكم من شرور أنفسكم.. وأما ما ذكرت من حال صديقك فليعلم أن هذا الأسلوب في التعامل مع الناس وبالخصوص في الدعوة إلى الله تعالى أسلوب سيء، وأن ما يفسده أكثر مما يصلحه، وقد قال الله تعالى لخيرته من خلقه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك {آل عمران:159}، فماذا يقال لمن جمع بين سوء الخلق وقلة العلم وسوء الظن بمن حوله والإعجاب بنفسه، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم. رواه مسلم. ورواه أبو داود ثم قال: قال مالك: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس يعني في أمر دينهم فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي نهي عنه. انتهى.

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: "أهلكهم" على وجهين، أحدهما بضم الكاف، والمعنى هو أشدهم هلاكا؛ لأنه إنما قال ذلك لأحد معنيين، إما للإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه، أو للقطع عليهم باستحقاق العقوبة، فكأنه يقنطهم من رحمة الله. والوجه الثاني بفتح الكاف على معنى هو الذي يحكم عليهم بالهلاك برأيه لا بدليل من أدلة الشرع، والأول أظهر وأشهر. انتهى.

وهذه حال المتعالمين لا طلاب العلم والهدى، وقد روى ابن الأعرابي في معجمه عن مخلد بن الحسين قال: نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى قليل من العلم. انتهى.

وهكذا قال أيضا عبد الله بن المبارك.. ومن المعروف أن بعض من يبتدئ طلب العلم يصيبه آفات لا يتفطن إليها، منها الكبر والعجب والغرور، خاصة في أول الطلب، وقد نبه أهل العلم على ذلك قديما.

قال الماوردي في أدب الدنيا والدين: قلما تجد بالعلم معجبا وبما أدرك مفتخرا إلا من كان فيه مقلا ومقصرا؛ لأنه قد يجهل قدره ويحسب أنه نال بالدخول فيه أكثره، فأما من كان فيه متوجها ومنه مستكثرا فهو يعلم من بعد غايته، والعجز عن إدراك نهايته، ما يصده عن العجب به. وقد قال الشعبي: العلم ثلاثة أشبار، فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحد أبدا. انتهى.

وقد عقد الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه باب عن أدب العالم في استعمال التواضع ولين الجانب ولطف الكلام، أسند فيه آثارا حسانا، منها عن أيوب قال: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل. وعن الفضيل بن عياض قال: إن الله تعالى يحب العالم المتواضع ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة، وينبغي له أن يعود لسانه لين الخطاب والملاطفة في السؤال والجواب، ويعم بذلك جميع الأمة من المسلمين وأهل الذمة. وعن عروة بن الزبير قال: مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطا وكلمتك طيبة، تكن أحب إلى الناس من الذي يعطيهم العطاء. وعن علي بن أبي طالب قال: من لانت كلمته وجبت محبته. وعن أبي سنان قال: قلت لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علي أفأرد عليه؟ فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو ذلك فقال: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه. انتهى.

وقد سبق لنا بيان لبعض وسائل علاج الكبر والغرور داخل الحركة الإسلامية في الفتوى رقم: 19854، ولمزيد الفائدة حول ذلك يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 113895 وما أحيل عليه فيها، وكذلك الفتوى رقم: 42432 عن الآثار الطيبة للأخلاق الحسنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة