السؤال
السؤال: ما حكم قول سبحان ربي العظيم في الركوع؟ وهل المطلوب القول مرة أم اثنتين أم ثلاثا؟ وكذا ما حكم قول سبحان ربي الأعلى في السجود ؟وما الحكم لو نسي المصلي فقال سبحان ربي الأعلى ثلاثا في الركوع، أو قال في السجود سبحان ربي العظيم ثلاثا؟ وما الحكم لو تدارك ذلك قبل الرفع؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب جمهور أهل العلم أن تسبيح الركوع والسجود سنة غير واجب، فمن تركه عمدا أو سهوا، وكذا لو أبدل ذكر الركوع بذكر السجود فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، والمشهور من مذهب أحمد وجوب تسبيح الركوع والسجود؛ لحديث عقبة بن عامر: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم. ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال: اجعلوها في سجودكم.
قال في حاشية الروض: فروى الخمسة وصححه الترمذي من حديث حذيفة، أنه كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، فدل على مشروعية التسبيح في الركوع، وهو مفسر لحديث عقبة، وأجمعوا على سنيته وذهب أحمد وجمهور أهل الحديث إلى وجوبه للأمر به، وقال النووي وغيره: تسبيح الركوع والسجود وسؤال المغفرة والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام كله سنة، ليس بواجب، فلو تركه لم يأثم وصلاته صحيحة، سواء تركه عمدا أو سهوا، لكن يكره تركه عمدا، وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقال أبو حامد: هو قول العلماء عامة، لحديث المسيء، والأحاديث الواردة في الأذكار محمولة على الاستحباب جمعا بين الأخبار. انتهى، وتفريعا على القول بالوجوب الذي هو المعتمد عند الحنابلة فإن الواجب مرة وأدنى الكمال ثلاث، وأكمله في حق الإمام عشر، قال في الروض: والواجب مرة وأدنى الكمال ثلاث وأعلاه للإمام عشر، قال أحمد: جاء عن الحسن، التسبيح التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث. انتهى، وحكم واجبات الصلاة عند الحنابلة معلوم، وهو أن من تعمد ترك شيء منها بطلت صلاته، ومن تركه نسيانا فإنه يجبره بسجود السهو، ومن أبدل ذكر الركوع بذكر السجود فإنه يسجد للسهو كذلك لتركه الواجب.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: من قال سبحان ربي الأعلى في الركوع، وقال سبحان ربي العظيم في السجود سهوا منه، هل يسجد للسهو؟ فأجاب بقوله: : نعم، يسجد للسهو؛ لأن الواجب أن يقول سبحان ربي العظيم في الركوع، والواجب أن يقول في السجود سبحان ربي الأعلى، فإذا سها يسجد للسهو، إذا قال سبحان ربي العظيم في السجود وسبحان ربي الأعلى في الركوع ساهيا فإنه يسجد للسهو قبل أن يسلم سجدتين. انتهى
وإذا ذكر فتدارك وأتى بالواجب قبل الرفع من الركوع أو السجود لم يكن سجود السهو واجبا عليه، وإنما يشرع في حقه استحبابا عند الحنابلة؛ لأنه أتى بذكر مشروع في غير موضعه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فإنه يسن له أن يسجد للسهو، كما لو قال: سبحان ربي الأعلى في الركوع، ثم ذكر فقال: سبحان ربي العظيم، فهنا أتى بقول مشروع وهو سبحان ربي الأعلى ، لكن سبحان ربي الأعلى مشروع في السجود، فإذا أتى به في الركوع قلنا: إنك أتيت بقول مشروع في غير موضعه، فالسجود في حقك سنة. انتهى.
وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الواجب هو جنس التسبيح في الركوع والسجود ولا يتعين لفظ بعينه، وعليه؛ فإذا أبدل ذكر الركوع بذكر السجود لم يلزمه شيء على قياس قول الشيخ، وهذا طرف من كلامه في هذه المسألة نسوقه للفائدة.
يقول
شيخ الإسلام رحمه الله: ثم اختلفوا في وجوبه. فالمشهور عن أحمد وإسحاق وداود وغيرهم وجوبه. وعن أبي حنيفة والشافعي استحبابه. والقائلون بالوجوب منهم من يقول: يتعين " سبحان ربي العظيم " و " سبحان ربي الأعلى " للأمر بهما وهو قول كثير من أصحاب أحمد: ومنهم من يقول: بل يذكر بعض الأذكار المأثورة. والأقوى أنه يتعين التسبيح إما بلفظ " سبحان " وإما بلفظ " سبحانك " ونحو ذلك. وذلك أن القرآن سماها " تسبيحا " فدل على وجوب التسبيح فيها وقد بينت السنة أن محل ذلك الركوع والسجود كما سماها الله " قرآنا " وقد بينت السنة أن محل ذلك القيام. وسماها " قياما " و " سجودا " و " ركوعا " وبينت السنة علة ذلك ومحله.... وكذلك المنقول عن مالك إنما هو كراهة المداومة على " سبحان ربي العظيم " لئلا يظن أنها فرض؛ وهذا يقتضي أن مالكا أنكر أن تكون فرضا واجبا. وهذا قوي ظاهر بخلاف جنس التسبيح فإن أدلة وجوبه في الكتاب والسنة كثيرة جدا. وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على التسبيح بألفاظ متنوعة. وقوله " اجعلوها في ركوعكم وفي سجودكم " يقتضي أن هذا محل لامتثال هذا الأمر لا يقتضي أنه لا يقال إلا هي مع ما قد ثبت أنه كان يقول غيرها. والجمع بين صيغتي تسبيح بعيد بخلاف الجمع بين التسبيح والتحميد والتهليل والدعاء. فإن هذه أنواع والتسبيح نوع واحد فلا يجمع فيه بين صيغتين. وأيضا قد ثبت في الصحيح أنه قال: {أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر} . فهذا يقتضي أن هذه الكلمات أفضل من غيرها. فإن جعل التسبيح نوعا واحدا ف " سبحان الله " و " سبحان ربي الأعلى " سواء وإن جعل متفاضلا ف " سبحان الله " أفضل بهذا الحديث. وأيضا فقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} و {فسبح باسم ربك العظيم} أمر بتسبيح ربه ليس أمرا بصيغة معينة. فإذا قال " سبحان الله وبحمده " " سبحانك اللهم وبحمدك " فقد سبح ربه الأعلى والعظيم. فإن الله هو الأعلى وهو العظيم. انتهى بتصرف.
والله أعلم.