السؤال
سؤالى هو عندما نقرأ القرآن يجب تدبره، أنا الحمد لله أتدبر الآية التي أقرؤها، ولكن في بعض الأحيان يتكلم القرآن عن قوم ما (اليهود مثلا أو النصارى أو قوم صالح أو المنافقين أو الكفار أو المؤمنين) فتكون مثلا الآية: ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين ءامنو وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. وبعد تلك الآيات يقول ربنا في آية مقاربة لها: وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون )فهذه الآية تتكلم عن الذين ذكرهم الله قبلها بعدة آيات. كيف أتامل ذلك وأعرف أن هذه الآية مثلا تتكلم عن قوم أو شيء ذكره الله قبلها ربما بآية أو بعشر آيات. والأمثلة كثيرة في القرآن، أم أتدبر الآية التي أقرؤها فقط؛ لأنه من الصعب أن أذكر القوم الذين ذكروا قبلها بعدة آيات. وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهنيئا لك على ما أعطاك الله من التوفيق للتدبر، فإن الله عز وجل قد أمر بتدبر القرآن في أكثر من موضع، فقال جل من قائل: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء:82]. وقال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) [ص:29].
واللام التي في قوله تعالى: (ليدبروا آياته) تدل على أن القرآن ما نزل لمجرد تلاوة حروفه فقط، وإنما نزل من أجل التدبر في معانيه، والتفكر في مضمونها لأخذ العبر من قصصه، وللاستفادة من مواعظه، وامتثال أمره، والكف عن نهيه.
قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وهذا القرآن كتاب أنزلناه إليك يا محمد مبارك ليدبروا آياته يقول ليتدبروا حجج الله التي فيه وما شرع فيه من شرائعه فيتعظوا ويعملوا به. اهـ
وقال النووي رحمه الله: فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: أفلا يتدبرون القرآن، وقال تعالى: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، والأحاديث فيه كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعة حال القراءة. اهـ
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيخرج ناس يقرؤون القرآن دون تدبر، فقال صلى الله عليه وسلم: سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن. رواه الطبراني وحسنه الألباني ، قال المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث: أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه، ولا تأمل في أحكامه، بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة. اهـ
و قد ذكر أهل العلم أن مما يعين القارئ على معرفة دلائل الآيات الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفة متأنية فاحصة، مع استحضار معنى الجمل والكلمات المكونة لها، مكررا النظر في مورد السياق الكلام السابق واللاحق ، واستحضار الموضوع العام للسورة أو المقطع، والبحث عن حكمة الترتيب، ووجه التعقيب في آخر الآية، والغاية التي تدور حولها الآيات، والنظر في ذلك كله عن طريق كتب التفاسير المأثورة والمعتمدة كتفسير (ابن كثير) وتفسير( الطبري) وتفسير (السعدي )وغيرها.
وبناء عليه، فالأولى أن تستحضر في الآيات التي تقرؤها ما وردت في الحديث عنه من صفات المنافقين أو غيرها، فركز على الآية التي تقرؤها متفكرا في معناها متذكرا أنها امتداد للحديث السابق بقدر استطاعتك. فهذا هو الأكمل، ولو أنك تدبرت الآية التي تقرؤها فقط، وصعب عليك تذكر الآيات السابقة فلك نصيب من التدبر بحسبه.
والله أعلم.