الحق لا يسقط بالتقادم مطلقا

0 627

السؤال

أسعد الله أوقاتكم، وأنعم عليكم بالصحة الجيدة والتوفيق؛ إنه سميع مجيب. حضرة الشيخ الفاضل سؤالي عن تقسيم الميراث فهل يختلف الحصص في الميراث في حالة كون الميراث أراضي زراعية عن كونها عقارا في المدينة. وأفصل لكم كالآتي:- وهو أن أخي الكبير يقول إن الذكر والأنثى يتساويان في الميراث في الأراضي الزراعية؛ أي لكل واحد منهما حصة كاملة، وليس للذكر مثل حظ الأنثيين حيث إنه يدعي صدور قرار من الدولة أيام العهد البائد ( عهد صدام ) حيث أقر القانون آنذاك بأن الذكر والأنثى متساويان في الأراضي الزراعية الموروثة، وكما يدعم قوله بالآية الكريمة التي تقول ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )(النساء59) فهل هذا يجوز شرعا تبديل التشريع التكليفي بآخر وضعي؟ وما الإثم الذي يترتب على فاعلها ومن ناصر فاعلها؟
والسؤال الثاني هو أننا ورثنا دار سكن من والدنا المرحوم في المدينة، ولقد توفي والدنا قبل عشرين سنة، ( وأنا وثلاث من أخواتي ) صبرنا على باقي إخوتنا الساكنين في الدار مدة عشرين سنة دون أي إيجار أو حتى كلمة ( شكرا). وعندما طالبنا بحقنا طردونا من البيت شر طرد، وقالوا لنا: اذهبوا إلى الحكومة حتى يعطوكم حقكم، وعندما التجأنا إلى المحاكم قالوا لنا: ليس لكم أي حق في الدار؛ لأن القانون العراقي الذي أصدره صدام حسين يقول يسقط الحق في الادعاء بالملكية إذا مرت عليه أكثر من خمس عشرة سنة، ونحن صبرنا عشرين سنة، ولم نكن نعلم بهذا. أفيدونا جزاكم الله تعالى عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت هذه الأرض مما يعرف بالأراضي الأميرية فقد سبق أن ذكرنا حكمها في الفتوى رقم: 110628.

أما إن كانت مملوكة حقيقة للمورث فللذكر فيها من أولاد الميت أو إخوته مثل حظ الأنثيين، فقد قال الله تعالى بعد أن بين أنصبة المواريث: تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (13) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين (14) [النساء]

قال السعدي: أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
ومن جملة ذلك أن للذكر مثل حظ الأنثيين في كافة أنواع المواريث، أرضا زراعية أو غير زراعية، فللذكر مثل حظ الأنثيين فيها بلا خلاف بين أهل العلم، لقوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء: 11] وليس في الآية تقييد لهذا الحكم بنوع معين من أنواع التركات.
وليس لولي الأمر ولا لغيره أن يغير شيئا من أنصبة المواريث، وإلا كان حاكما بغير ما أنزل الله، فيدور حاله بين الكفر والظلم والفسق، كما قال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44] وقال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون [المائدة: 45] وقال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة: 47]

وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله، ونهاه عن اتباع أهوائهم مرتين متتاليتين ثم قال بعدها: أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون [المائدة: 50] فكل حكم يناقض حكم الله فهو من أحكام الجاهلية التي لا يجوز قبولها ولا الحكم بها.
وأما قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [النساء: 59] فيوضحه بقية الآية حيث يقول سبحانه: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء: 59] فجعل الحكم عند التنازع لله وسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك علامة الإيمان بالله واليوم الآخر. فطاعة ولاة الأمور وغيرهم مقيدة بعدم معصية الله تعالى ومخالفة حكمه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
وحسبك في الموعظة، وفي بيان الحرج والإثم في مثل الحال المذكورة أن تتلو قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61) } [النساء] وقوله عز وجل: وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون (50) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (52)} [النور].
وأما السؤال الثاني فجوابه أن الحق لا يسقط بالتقادم على أية حال، ولكن المسألة في صحة الدعوى وسماع القاضي لها، فقد أسقط بعض أهل العلم حق سماع القاضي للدعوى بعد مضي زمن طويل، يختلفون في تحديده وفي ملابساته. وأما الحق نفسه فلا يسقط بالتقادم أبدا. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 134846.
وهنا ننبه على أن من منع سماع الدعوى بالتقادم جعل هناك أعذارا لسماعها ولو تقادمت، ومن هذه الأعذار التي نص عليها بعض أهل العلم وجود القرابة والشركة في الميراث أو ما أشبه ذلك مما تتسامح فيه القرابات والصهر بينهم. وقد عقد ابن القيم في (الطرق الحكمية) فصلا في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى، وقال: وهو من أسد المذاهب وأصحها، وهي عندهم ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: دعوى يشهد لها العرف بأنها مشبهة، أي تشبه أن تكون حقا.
المرتبة الثانية: ما يشهد العرف بأنها غير مشبهة، إلا أنه لم يقض بكذبها.
المرتبة الثالثة: دعوى يقضي العرف بكذبها ... مثالها: أن يكون رجل حائزا لدار متصرفا فيها السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة والعمارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقا، ولا مانع يمنعه من مطالبته كخوف من سلطان، أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة، ولا شركة في ميراث، أو ما شبه ذلك مما تتسامح فيه القرابات والصهر بينهم، بل كان عريا من جميع ذلك. ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه .. اهـ.
والخلاصة أن حقكم في الميراث حق ثابت شرعا، ويحرم على إخوتكم إنكاره وجحده ومنعه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات