الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نجاة المسلم في اتباع الكتاب والسنة الثابتة، وفهم ذلك كما فهمه الصحابة، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة، وأن النجاة من عذاب الله في اتباع ما كان عليه هو والصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وأما تلك الشبهة المذكورة: فهي شبهة متهافة، وأعداء الصحابة ما فتئوا يرددونها ويزيدون فيها وينقصون، ورائدهم في ذلك الكذب والبهتان والحقد الكامن على خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، فالبنسبة لمقولة عمر ـ رضي الله عنه ـ عند طلب الرسول صلى الله عليه وسلم كتابا يكتب لهم فقد سبق الكلام عليها في الفتوى رقم: 121441.
وقد ثبت أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع.
وفسر أهل العلم ذلك بشفقته ـ رضي الله عنه ـ على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه يهذي، وقد بسطنا القول في هذا في الفتوى رقم: 66300
وفضل عمر ـ رضي الله عنه ـ ثابت لا يماري فيه إلا ضال مضل، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث، ذكر السيوطي بعضها في تاريخ الخلفاء، ومن ذلك قوله صلى الله علي وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وقوله: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم: أن عليا ترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
وفي مسلم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
وفي حديث عمرو بن العاص: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة قلت من الرجال؟ فقال أبوها قلت ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب فعد رجالا. أخرجه مسلم.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ـ رضي الله عنهم.
وأما قصة فاطمة ـ رضي الله عنها: فلم يصح في فضل حمل جنازتها بالخصوص شيء، وقبرها معروف في البقيع، وحضر دفنها بعض الصحابة، قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن حسين قال: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هدأة قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي.
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: فاطمة أول من جعل لها النعش، عملته لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة. اهـ
ويروي الإمام الذهبي قصة وفاتها في السير عن أم جعفر: أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها، قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 103278.
وأما علي ـ رضي الله عنه ـ فقد استفاضت النصوص الدالة على فضله، ومن هذه النصوص ما رواه الترمذي عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وفي رواية لأحمد عن زيد بن أرقم بزيادة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وروى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي.
ولا يعقل أن عليا يكتم عن الصحابة خيرا يعلمه وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
وقد ثبت عنه ـ رضي الله عنه ـ أنه قيل له: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني والأرناؤوط.
وفي رواية لمسلم أنه قال له رجل: ما كان النبي يسر إليك؟ فغضب وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع، فقال: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض.
وهذا صريح من علي أنه لم يخصه ولا أهله بشيء، وحتى هذه الصحيفة لم تكن خاصة بهم فلذا أبرزها علي للناس وعلمهم ما فيها.
وأما الكلام على ولايته: فقد قدمنا القول فيها في الفتوى رقم: 119626.
واعلمي أن المسلم يتعين عليه أن يحرص على سلامة معتقده والبعد عما يفسدها من مخالطة أهل فساد الاعتقاد. فابتعدي عن هولاء وعن الشبه التي عندهم، فقد قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات ـ أو كما قال ـ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل. انتهى.
والله أعلم.