الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنجمل الجواب عن السؤال في النقاط التالية:
1ـ الشركة الكائنة بينكما شركة أبدان وأموال، حيث إن كل واحد منكما يسعى في عمل معين وما يكسب منه تقتسمانه، وهذه شركة أبدان وقد بذل كل منكما رأس مال لتحمل المصاريف أو غيرها وتلك شركة أموال فاجتمع البدن والمال، وهي جائزة، قال ابن قدامة: إذا اشترك بدنان بماليهما، وهذه الشركة العنان وهي شركة متفق عليها، وقال الخرقي: وإن اشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدنان بمال غيرهما، أو بدن ومال، أو مالان وبدن صاحب أحدهما، أو بدنان بماليهما تساوى المال أو اختلف فكل ذلك جائز. اهـ
2ـ إذا امتنع الشريك من إتمام عمله هل يسقط حقه في الربح أم لا يسقطه؟ فقذ ذهب البعض إلى أن ذلك لا يسقط حقه من الربح، جاء في درر الحكام: لأن عقد الشركة لا يرتفع بمجرد الامتناع عن العمل ويبقى الاستحقاق للربح موجودا ما دام عقد الشركة باقيا. انتهى.
وقال في بدائع الصنائع: وأما عندنا فالربح تارة يستحق بالمال وتارة بالعمل وتارة بالضمان على ما بينا وسواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما يكون على الشرط. اهـ
وفي تحفة الفقهاء للسمرقندي: ويستوي أن تكون الشركة في نوع عمل، فيعملان ذلك أو يعمل أحدهما عملا والآخر غير ذلك، أو لم يعمل بعد أن ضمنا جميعا العملين جميعا، لأن الإنسان قد يعمل بنفسه وأجيره، فإن عمل أحدهما دون الآخر، والشركة عنان أو مفاوضة، فالأجر بينهما إن شرطا العمل عليهما والتزما ذلك، فيكون أحدهما معينا للآخر. اهـ.
وقال ابن قدامة: وإن عمل أحدهما دون صاحبه، فالكسب بينهما، قال ابن عقيل: نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان، فيأتي أحدهما بشيء، ولا يأتي الآخر بشيء؟ قال: نعم، هذا بمنزلة حديث سعد وابن مسعود، يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران، ولأن العمل مضمون عليهما معا، وبضمانهما له وجبت الأجرة، فيكون لهما كما كان الضمان عليهما، ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، كمن استأجر رجلا ليقصر له ثوبا، فاستعان القصار بإنسان فقصر معه، كانت الأجرة للقصار المستأجر، كذا ها هنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره، فإن طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل، فله ذلك، فإن امتنع فللآخر الفسخ، ويحتمل أنه متى ترك العمل من غير عذر، أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه، لأنه إنما شاركه ليعملا جميعا، فإذا ترك أحدهما العمل فما وفى بما شرط على نفسه، فلم يستحق ما جعل له في مقابلته، وإنما احتمل ذلك فيما إذا ترك أحدهما لعذر لأنه لا يمكن التحرز منه.
ولعل ما أشار إليه ابن قدامة هو الأوجه إذا ترك العامل العمل لغير عذر وامتنع منه كما هنا فلا يستحق ربح ما عمله شريكه دونه. وبالتالي، فلا يكون لذلك الشريك من الربح سوى ما عمله، وعند فسخ الشركة وسلامة رأس المال يرد إليه رأس ماله.
3ـ إن كان امتناع شريكك من العمل على اعتبار فسخ للشراكة بينكما فله ربح بقدر ما عمل قبل الفسخ يرد إليه مع رأس ماله، وليس لك أن ترد إليه رأس ماله، ثم تستحوذ على جميع الربح دونه لما بيناه سابقا.
4ـ مسألة أخذه لرأس ماله بالحيلة من مبلغ المشروع إن ثبت بالبينة أخذه له أو أقر بذلك فيحسب من مستحقاته، وأما إذ الم يثبت ذلك ببينة أو إقرار فلا يجوز منعه من حقه لمجرد الدعوى.
5ـ الواجب على كل من الشريكين عدم خيانة صاحبه أو ظلمه، لأن هذه ليست صفة المؤمنين، كما قال الله تعالى: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم {ص: 24}.
ولا شك أن الظلم والخيانة في الشراكة محق لبركتها وسبب لانفضاضها، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما.
فقوله أنا ثالث الشريكين أي معهما بالحفظ والبركة وتيسير الرزق ونحو ذلك، وقوله: خرجت من بينهما: أي أزلت البركة والعناية بهما في شراكتهما، وانظر الفتوى رقم: 146483
6ـ مسائل المنازعات وقضايا الخصومات لا يمكن الاكتفاء فيها بمجرد السؤال والجواب عن بعد، بل لا بد من عرضها على المحاكم أو مشافهة أهل العلم بها.
والله أعلم.