أفعال الله دائرة بين الفضل والعدل

0 381

السؤال

حدثني صديق لي مرة أنه يشعر بوجود ظلم في الدنيا، ظلم من الناس وبينهم، وظلم إلهي ـ سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ حيث إن البشر ليسوا متساويين في كل شيء من مثل هذه المظاهر، فأخبرته أن ظلم البشر لبعضهم موجود وأنه لولا وجود هذا الظلم ما كان هناك أقضية ومحاكم، ولكنني لا أوفق على شرح أن الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل الذي لا يظلم أحدا ولا يظلم عنده أحد، فما هي الأدلة الواردة عن عدل الخالق سبحان وأنه إذا أخذ من عبد شيء فبحكمته وليس سبحانه ظلما منه للعبد، وما الذي يترتب على هذا الاعتقاد؟ وكيف يدفعه الإنسان عن نفسه،؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالله تعالى قد نزه نفسه عن الظلم في غير موضع من كتابه، فالظلم من صفات النقص وهو مستحيل في حقه تعالى، لأنه موصوف بكمال العدل، واعتقاد خلاف هذا تكذيب لصريح القرآن، قال جل اسمه: وما الله يريد ظلما للعباد {غافر:31}. وقال تعالى: ولا يظلم ربك أحدا {الكهف: 49}. وقال عز وجل: وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}. وقال: إن الله لا يظلم الناس شيئا { يونس:44}. إلى غير ذلك من الآيات.

وفي الحديث القدسي الشريف الذي خرجه مسلم في صحيحه: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي.

وليس للعباد عليه سبحانه حق يستوجبون به فضلا أو إحسانا، بل ما أعطاه إياهم فهو محض فضله ورحمته، وما منعه إياهم فلعدله وحكمته، فأفعال سبحانه دائرة بين الفضل والعدل والحكمة والرحمة، ولقد أحسن من قال:

ما للعباد عليه حق واجب     كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا     فبفضله وهو الكريم الواسع.

يقول ابن القيم ـ رحمه الله: التصرفات الواقعة منه تعالى في ملكه لا تكون ظلما قط وهذا حق فإن كل ما فعله الرب ويفعله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة فليس في أفعاله ظلم ولا جور ولا سفه وهذا حق لا ريب فيه فهو سبحانه في تصرفه في ملكه غير ظالم. انتهى بتصرف.

وذكر أدلة هذا الأصل الشريف وبيان كلام العلماء فيه يطول جدا، فعلى المسلم أن يعتقد كمال الرب عز وجل وأنه منزه عن كل نقص، وأنه ما أصابه من الخير والنعمة فهو محض فضله تعالى، وما أصابه من البلاء والشر فهو بحكمته وعدله تعالى وقد استحقه بما كسبته يده ولم يظلمه الله تعالى شيئا، كما قال تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك { النساء:79}.

يقول ابن القيم رحمه الله: النفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شر يحصل للعبد فلا يحصل له شر إلا منها، قال تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وقال تعالى: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم، وقال: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير، وقال تعالى: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال ـ وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنهم ظلموا أنفسهم فهم الظالمون لا المظلومون وأول من اعترف بذلك أبواهم: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. انتهى.

وتندفع هذه العقيدة عن الإنسان باستحضار ما قررناه من عدل الرب تعالى وتنزهه عن جميع النقائص، وبإدامة التفكر في آفات النفس وعيوبها، فإن الإنسان إذا استحضر نقصه وآفات نفسه وعمله لم يتهم الرب تعالى في قضائه، وعلم أن ذنوبه هي التي أوجبت له ما يصيبه من الشر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة