السؤال
شكر الله سعيكم و نفع الله بعلمكم و جزاكم الله خيرا.
السؤال: بلغتني معلومات على شخص جاء من فرنسا (الداعية بشير بن حسن) من ناس لم نشهد لهم كذبا و لا نفاقا، و نحسبهم والله حسيبهم من الثقات و هم من طلبة العلم أن هذا الشخص له مسائل لا تؤخذ عنه في العقيدة، و أنه من المرجئة و لا يرى الجهاد في فلسطين.. فنقلت هذا الكلام إلى أخ فذهب هذا الأخير ليتحرى من الشخص المذكور فأنكر كل هذه الأمور و قال من كان له دليل فليأتني به و إلا فهو خصيمي يوم القيامة.
فهل أأثم في نقلي لهذا الكلام من باب التحذير؟ هل يطبق علي أني خصيمه يوم القيامة؟ و هل يجب علي أن أستسمحه مع العلم أنه لا يعرفني؟
بارك الله فيكم , شكر الله مسعاكم و نفع الله بكم الأمة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من منهجنا الكلام على الأشخاص، والواجب نحو أهل العلم عموما أن يعرف لهم قدرهم وفضلهم، وأن يحفظ لهم ما قدموا من خدمة للإسلام والمسلمين، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وافق الكتاب والسنة أخذ به طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما خالفهما رد، وهذا الرجل إذا ثبت لكم أن له شيئا من الأخطاء فإن ذلك لا يسلم منه إلا المعصوم، ولا ينبغي أن يكون سببا لترك الاستفادة منه، والأصل سلامة المسلم، وبقاؤه على عدالته، حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز تبديعه حتى تتحقق في القائل المعين أو الفاعل المعين شروط، وهي: العلم، والاختيار، وعدم التأويل، وبالتالي تنتفي عنه موانع الجهل والإكراه والتأويل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته.. كما قررته في غير هذا الموضع وقررته أيضا في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة، فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. فأما حكم الدنيا فكذلك أيضا، فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم، إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة. انتهى من مجموع الفتاوى.
وقال ابن حجر في الفتح: قال ابن جرير: لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه. اهـ.
وقد تقدم الجواب عن حكم التكلم في أهل العلم والخوض في أعراضهم في أجوبة سابقة برقم: 4402 ورقم: 11967 ورقم :94275 .
فيمنع انتقاد العلماء بقصد تجريحهم والتشهير بهم والتنقص من قدرهم والنيل من أعراضهم، فإن هذا لا يجوز لمسلم أن يفعله بأخيه المسلم من عامة المسلمين، ويكون التحريم في حق العلماء أشد وأعظم، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته.
وقال ابن عساكر: إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب .
أما إذا كان ذلك بقصد المصلحة وبيان الخطإ بصورة تحفظ مكانة العلماء، فلا مانع منه بل إن ذلك مطلوب شرعا، فعلى من علم شيئا من دين الله أن يبينه للناس، وإذا سمع أن أحد العلماء أخطأ فعليه أن يبين خطأه بحكمة وأدب مصحوب بالدليل الشرعي وأقوال العلماء فيه.
ومن هذا القبيل كان السلف الصالح يرد بعضهم على بعض وكذلك الأئمة الكبار، وكان علماء الحديث يبينون خطأ هذا الراوي وصحة رواية الآخر.
وبناء عليه يعلم أنك أخطأت في التحذير من هذا الداعية قبل التحقق مما يوجب التحذير منه.
والله أعلم.