إنشاد وسماع شعر فيه تشبيب بامرأة غير معينة

0 5404

السؤال

قرأ كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ قصيدته الشهيرة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن من بين أبياتها متغزلا بسعاد قال: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكى قصر منها ولا طول ـ فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا حول هذا البيت؟ لأنه غزل فيه وصف جسدي يخدش الحياء؟ وإذا كان سكت عنه، فهل سكوته إقرار وتصريح لباقي الشعراء بأن يقولوا مثله؟ أم أنه لم يشأ أن يحبط كعبا خاصة أنه أسلم من حينه بعد أن كان من أشد أعداء الإسلام؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أهل العلم ذكروا أن التغزل  بامرأة غير معينة جائز، إذا لم يكن فيه فحش ولا كلام قبيح، واستدلوا بسماع النبي صلى الله عليه وسلم شعر كعب وغيره، وما أشرت إليه في القصيدة المذكورة ليس فيه فحش وهو مما يسوغ ذكره، قال ابن العربي في الأحكام: أما الاستعارات والتشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد, وتجاوزت المعتاد, فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل, وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول     متيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا     إلا أغن غضيض الطرف مكحول

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت    كأنه منهل بالراح معلول

فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا ينكر, حتى في تشبيه ريقها بالراح، وقد كانت حرمت قبل إنشاده لهذه القصيدة, ولكن تحريمها لم يمنع عندهم طيبها، بل تركوها على الرغبة فيها والاستحسان لها، فكان ذلك أعظم لأجورهم, ومن الناس قليل من يتركها استقذارا لها, وإنها لأهل لذلك عندي, وإني لأعجب من الناس في تلذذهم بها واستطابتهم لها, ووالله ما هي إلا قذرة بشعة كريهة من كل وجه, والله يعصم من المعاصي بعزته. اهـ.

وقال السفاريني في شرح منظومة الآداب عند شرح قول المؤلف:

ولا بأس بالشعر المباح وحفظه    وصنعته من رد ذلك يعتدي

فقد سمع المختار شعر صحابه    وتشبيبهم من غير تعيين خرد

لا بأس أي لا حرج ولا كراهة بإنشاد الشعر وهو كلام مقفى موزون المباح الذي سلم من هجاء المسلمين, ومن وصف خمرة أو أمرد وكذا امرأة أجنبية معينة، وفي قول الناظم ـ رحمه الله تعالى: فقد سمع المختار شعر صحابه وتشبيبهم, إشارة إلى عدم حرمة التشبيب، ولما خشي توهم إطلاق الإباحة دفع ذلك التوهم بقوله من غير تعيين خرد؛ بخلاف ما إذا كان يتشبب بمعينة محرمة فإنه لا يجوز كاستماعه.

ثم ذكر السفاريني من سماعه صلى الله عليه وسلم شعر أصحابه وتشبيبهم ما سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصيدة كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ التي مدحه بها.

وقال ابن الهمام الحنفي في فتح القدير: إنشاد المباح من الأشعار لا بأس به، ومن المباح أن يكون فيه صفة امرأة مرسلة؛ بخلاف ما إذا كانت بعينها حية, وإذا كان كذلك فجاز أن يكون المصنف ـ رحمه الله ـ قائلا بتعميم المنع كشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إلا أنا عرفنا من هذا أن التغني المحرم هو ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والدويرات والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي، إذ أراد المتكلم هجاءه لا إذا أراد إنشاد الشعر للاستشهاد به أو لتعلم فصاحته وبلاغته، ويدل على أن وصف المرأة كذلك غير مانع ما سلف في كتاب الحج من إنشاد أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهو محرم: قامت تريك رهبة أن تهضما ساقا بخنداة وكعبا أدرما, فلولا أن إنشاد ما فيه وصف امرأة كذلك جائز لم تقله الصحابة, ومما يقطع به في هذا قول كعب بن زهير بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم:

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا    إلا أغن غضيض الطرف مكحول

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت    كأنه منهل بالراح معلول

وكثير في شعر حسان من هذا كقوله وقد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم منه ولم ينكره في قصيدته التي أولها:

تبلت فؤادك في المنام خريدة    تسقي الضجيع ببارد بسام

فأما الزهريات المجردة عن ذلك المتضمنة في وصف الرياحين والأزهار والمياه المطربة كقول ابن المعتز:

سقاها بغابات خليج كأنه    إذا صافحته راحة الريح مبرد

يعني سقى تلك الرياض, وقوله : وترى الرياح إذا مسحن غديره صقلنه ونفين كل قذاة ما إن يزال عليه ظبي كارعا كتطلع الحسناء في المرآة فلا وجه لمنعه على هذا، نعم إذا قيل ذلك على الملاهي امتنع، وإن كان مواعظ وحكما للآلات نفسها لا لذلك التغني.  

وانظري الفتاوى التالية أرقمها: 18243، 63670، 111524، للمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات