الترهيب من السخرية من الناس واغتيابهم وكيفية التحلل من ذلك

0 287

السؤال

الشيوخ الأفاضل, بارك الله فيكم وجزاكم الله خير وأثابكم: أريد أن أعرف, ما هي كفارة الغيبة, والنميمة, لأنني كنت أقوم باغتياب غيري من الأشخاص, والسخرية من علماء الدين ـ والعياذ بالله ـ والرؤساء, والمغنين, والكفار, والموتى سواء كانوا مسلمين أو كفارا, وأقوم بنشر النميمة؟ أعلم بأن ما كنت أقوم به هو شيء خطير, وخاطئ أيضا, أرجوكم ساعدوني, ما الذي يجب علي فعله؟ فهذا الأمر يؤرقني ويسبب لي الكآبة والحزن, فهل يجب علي الاعتذار منهم؟ ولكن معظم هؤلاء الأشخاص, لا أستطيع الوصول إليهم أو التواصل معهم, لا أعلم ماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في خطورة هذا الأمر وأنه مما يدل على عظم شأن اللسان ووجوب تعاهده وصيانته، وأن يستحضر العبد أن كل لفظ يتلفظ به مسجل عليه محصى في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد {ق:18}.

وتكاثرت النصوص النبوية محذرة من غائلة اللسان وأنه أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم وآمرة بحفظه وإمساكه عن السوء، روى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

قال ابن حجر في فتح الباري: وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء. انتهى.

فعلى المسلم أن يتوب إلى الله من هذا السلوك الذي يبعده من ربه، ويبغضه إلى المسلمين، ويؤدي به إلى نار الجحيم، ففي الترمذي وأحمد وابن ماجه عن معاذ في حديث طويل وقد ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار، فقال له بعد ذلك: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.

والسخرية من الناس واغتيابهم من آفات اللسان التي نهى عنها الله ورسوله، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون *يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم {الحجرات: 11ـ12}.

وقد حذر العلماء من الوقوع في أعراض الناس عموما وفي أعراض العلماء خصوصا، وذلك لما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنفير من الوقوع في أعراض الناس، فقد نقل النووي عن ابن عساكر قوله: اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب.

وإذا علم هذا، فالواجب التوبة إلى الله تعالى مما مر من الغيبة والسخرية ونحوها، وأن يحرص المسلم كل الحرص على أن تكون مجالسه خالية من هذه الآفات، وأن يتوقى مواقعة هذه الذنوب في مستقبل أمره، وأما ما مضى: فالواجب الندم على فعله وتحلل أصحاب هذه المظالم إن علموا وأمكن استحلالهم دون مفسدة، فإن كان استحلالهم يؤدي إلى مفسدة فليتحلل منهم تحللا عاما دون تعيين الحق الذي يتحللهم منه، ومن العلماء من يرى أنه يكفي الاستغفار لهم والثناء عليهم وذكرهم بخير حيث ذكرهم بشر، وهو اختيار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ قال السفاريني ـ رحمه الله: قال الإمام ابن القيم في كتابه الكلم الطيب: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله ـ ذكره البيهقي في الدعوات، وقال في إسناده ضعف، قال ابن القيم: وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب؟ أم لا بد من إعلامه وتحلله؟ قال والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

وهذا هو ما نراه راجحا ولا سيما إن تعذر التحلل من المغتاب أو ترتب مفسدة على ذلك، وعليه فحسبك أن تستغفر الله تعالى لمن اغتبتهم من المسلمين وتذكرهم بالخير، ولمعرفة حكم النميمة وغيبة الأموات والفساق والكفار انظر الفتاوى التالية أرقامها: 73859، 23256، 134384، 60922.

واعلم أن من تاب تاب الله عليه، فقد قال سبحانه: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه:82}. 

فأحسن الظن به ولا تيأس من روحه ما دمت قد أقبلت عليه سبحانه ودع عنك اليأس والحزن مستشعرا نعمة التوفيق والتوبة والهداية فأنعم بها نعمة وأكرم بها منة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة