السؤال
ما حكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولماذا أجازه جميع علماء الأمة وعارضه علماء السعودية فقط (يعني جميع العلماء على خطأ وعلماء السعودية هم على صواب)؟أرجو منكم الجواب.
ما حكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولماذا أجازه جميع علماء الأمة وعارضه علماء السعودية فقط (يعني جميع العلماء على خطأ وعلماء السعودية هم على صواب)؟أرجو منكم الجواب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب أكثر الذين تكلموا عليه ومنهم الإمام أحمد بن حنبل إلى جوازه، وذهبت الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى منعه.
وقد استدل أصحاب القول الأول على جوازه بأدلة من القرآن والسنة، وادعى بعضهم الإجماع على جوازه كـ السبكي وشنع على شيخ الإسلام في قوله بالمنع، أما دليلهم من القرآن فهو قوله تعالى:يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون {المائدة: 35} .
وأما أدلتهم من السنة فكثيرة منها ما في صحيح البخاري: أن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس...، ومنها حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث: توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم، ونحو ذلك.
وقد رد المانعون للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأدلة، فقالوا: أما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على المقصود، لأن المراد بالوسيلة في هذه الآية هو فعل الطاعات وترك السيئات، قال الألوسي: هي - الوسيلة - فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله عز وجل من فعل الطاعات وترك المعاصي، واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد، والقسم على الله تعالى بهم بأن يقال: اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا، ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين: يا فلان، ادع الله تعالى ليرزقني كذا وكذا، ويزعمون أن ذلك من باب ابتغاء الوسيلة، ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستغيثوا بأهل القبور". وكل بعيد عن الحق بمراحل. ا.هـ
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير الآية المذكورة: يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بالطاعة كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال سفيان الثوري، حدثنا أبي، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أي القربة. وكذا قال مجاهد [وعطاء] (1) وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد. وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيد: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} [الإسراء:57] وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه (2) وأنشد ابن جرير عليه قول الشاعر (3) إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا … وعاد التصافي بيننا والوسائل، انتهى.
فلا دلالة في الآية إذن إلى ما ذهبوا إليه.
وأما استدلالهم بالسنة فالجواب عنه من وجهين:
الأول: استدلالهم بأحاديث صحيحة، ولكن لا دلالة فيها على مقصودهم، ونذكر أقوى حديثين مما تمسكوا به، فالأول: ما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا، فيسقون، وهذا حجة عليهم لا لهم، لأن هذا توسل بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر لا توسل بذاته.
وقد فصل هذا شيخ الإسلام فقال: وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان: أحدها: التوسل بطاعته، فهذا لا يتم الإيمان إلا به. والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. الثالث: التوسل بمعنى الإقسام به، بمعنى الإقسام على الله بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك، ا.هـ.
والثاني: حديث الأعمى ولا دلالة فيه، لأنه توسل بدعاء النبي لا بذاته، فقد رواه الترمذي والنسائي وأحمد، ولفظ الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: فادعه....
وتمسكوا بأحاديث ضعيفة كحديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث ضعيف كما سبق بيانه في الفتوى: 11669.
وكذلك حديث: توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم، وهو حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيانه في الفتوى: 4416.
وكذا حديث عائشة حينما شكا إليها الصحابة القحط، فأمرتهم أن يعملوا من قبره كوة إلى السقف حتى لا يكون بينه وبين السماء حائل، ففعلوا فمطروا... وهو حديث ضعيف، كما سبق بيانه في الفتوى: 15071.
وبهذا يتبين أن أدلة المجيزين للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره إما لا دلالة فيها، وإما ضعيفة لا تصح، وعمل الصحابة على خلاف ما ادعوه، والتوسل عبادة والأصل فيها الحظر والتوقف عنها حتى يرد الدليل الشرعي بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد، متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، رواه مسلم.
وبهذا بطلت حجة المجيزين للتوسل وادعاؤهم الإجماع على جوازه.
وننبه إلى الفرق الواضح الجلي بين هذا التوسل المختلف فيه، وبين الاستغاثة الشركية المتفق على منعها، فالأول: سؤال لله تعالى بجاه أو حق خلقه، والثاني: سؤال للمخلوق والتجاء إليه، وهذا هو الشرك الصريح، وكثير من الناس يخلطون بين المسألتين، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى: 3835، والفتوى: 3779.
وهذا اللبس الحاصل بين المسألتين مما يؤكد رجحان قول المانعين من التوسل، إضافة لما سبق من المرجحات، لأن القول بجوازه صار ذريعة للوقوع فيما هو متفق على منعه، وهو دعاء الميت والاستغاثة به وسؤاله تفريج الكربات وكشف الملمات، وقد جاءت الشريعة بحماية التوحيد، وسد الأبواب المفضية إلى الشرك.
والله أعلم.