السؤال
لماذا لا توجد أي رواية في الصحاح تثبت بأن أبا بكر وعمر وعثمان كان لهم أي دور جهادي بارز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان هناك فأعطني إياها؟.
لماذا لا توجد أي رواية في الصحاح تثبت بأن أبا بكر وعمر وعثمان كان لهم أي دور جهادي بارز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان هناك فأعطني إياها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقبح هذا الكلام وأسوأه، ومن المجاهدون إن لم يكن أبو بكر وعمر وعثمان سادتهم؟ وهل غاب أبو بكر وعمر عن غزاة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم قط؟ ومن أنفق المال في سبيل الله حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.؟ رواه الترمذي.
وهذا أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ما زال يبذل نفسه وماله في مرضات الله حتى نال فضيلة: ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر. رواه ابن ماجه وغيره.
وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يدعى من أبواب الجنة كلها يوم القيامة ومنها باب المجاهدين، وهذا في الصحيحين. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، فما على من يدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم.
وقد عرف المشركون منزلة أبي بكر وعمر من الدين فلم يسأل أبو سفيان يوم أحد عن أحد سوى هؤلاء الثلاثة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لعلمه أنهما وزيراه وأعظم عون له على جهادهم، فهذا دورهم في الجهاد يعرفه أبو سفيان إذ كان مشركا ويجهله من ينتسب إلى الإسلام، قال الله تعالى: الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله {التوبة:20}.
ولا ريب في أن الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة أعظم الناس نصيبا من هذه الآية، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف، وأبو بكر وعمر أعظمهم إيمانا وجهادا، لا سيما وقد قال: الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله {سورة الأنفال: 72} ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد علي وغيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر ـ وقال: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ـ وأبو بكر كان مجاهدا بلسانه ويده، وهو أول من دعا إلى الله وأول من أوذي في الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مشاركا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر ـ وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر لما قال: أفيكم محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه. فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفيكم ابن الخطاب؟ فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت عدو الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد أبقى الله لك ما يخزيك ـ ذكره البخاري وغيره. انتهى.
والخلفاء الثلاثة ـ رضوان الله ـ عليهم لم يغيبوا عن مشهد شهده النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن عثمان غاب عن يوم بدر كما هو معلوم لاشتغاله بتمريض رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقسم له النبي صلى الله عليه وسلم مع الغانمين، وكون أبي بكر وعمر وزيرين للنبي صلى الله عليه وسلم مما لا يجهله مسلم، فكان يشاورهما في شؤون الجهاد وغيرها، وكانا منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة السمع والبصر، وأما نفقة عثمان وبذله ماله لله تعالى فغني عن البيان، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد كما شهد بذلك لعمر ـ رضي الله عن الجميع ـ وأما جهادهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقيامهم بأمر الدين وحفظهم لبيضته وحياطتهم حوزته ونشرهم الإسلام في ربوع الأرض حتى دخل الناس بحمد الله في دين الله أفواجا وفتحت بحمد الله الشام ومصر وأفريقية وبلاد المشرق وغيرها فهذا كله في غاية الظهور لمن أنصف، وبالجملة فزعمك خلو الصحاح من أخبار جهاد الخلفاء الثلاثة ـ رضي الله عنهم ـ مما يعلم بطلانه بأدنى تأمل.
والله أعلم.