السؤال
كيف يبتلى المرء ويفتتن بنفسه ؟! وكيف يتخلص من هذا الافتتان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يبتلى العبد بالعجب بنفسه وبجماله فيتكبر، وقد ينزغ الشيطان فيه فيستدرجه للفتنة والمعصية، وعلاج ذلك في تذكر خطر المعصية وأليم عقابها ومعاودة التوبة كلما وقع ذنب من العبد فقد قال الله عز وجل أيضا: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون {الأعراف: 201}.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نساء، إذا ذكر ذكر. رواه الطبراني، وصححه الألباني.
قال المناوي: مفتنا أي ممتحنا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيرا، توابا نسيا إذا ذكر ذكر أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب هكذا يقال فتنه يفتنه إذا امتحنه. اهـ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
قال النووي: معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك. اهـ.
وقال السعدي:لما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أتي، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه. اهـ.
ومن أهم ما يساعد على هذا تذكر الموت ففي الحديث عن ابن عمر أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبي الله، من أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا للموت قبل نزول الموت، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. رواه ابن ماجه، والطبراني في الصغير، وحسنه المنذري و الهيثمي وقال العراقي: إسناده جيد.
وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقال الإمام القرطبي في التذكرة: قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. انتهى.
وقد سبق علاج العجب وطريق التخلص منه في الفتاوى التالية أرقامها:139877 / 151803 / 118700.
والله أعلم.