السؤال
أعلم أن في يوم القيامة هناك الكتاب الذي يتلقاه الناجون بيدهم اليمنى، و الذين أسرفوا على أنفسهم يتلقونه بشمالهم وراء ظهورهم.
فهل في هذا الكتاب جميع أعمالنا حسنات و ذنوب ؟ صغيرة و كبيرة ؟ يعني كل تفاصيل حياتنا فيها ؟
ثم إن كانت جميع الذنوب عليها، و كان الشخص الذي تلقى الكتاب قد أخذه بيمينه، فهل تبقى الذنوب مسجلة في هذا الكتاب بعد أن تاب عنها واستغفر الله ؟ أم سوف تمحى منه بعد التوبة و الإصلاح ؟
و هل يمكن لي مثلا الاطلاع على كتاب أخي و أرى ما قام به في حياته و أهنئه بحسناته و أعاتبه على شنائعه ؟ أم أن كل كتاب محصور بصاحبه لا يطلع عليه سواه ؟
هل سوف تلاحقنا ذكريات ذنوبنا صغيرها و كبيرها في الجنة أم سننساها و لن يعلم بها أحد سوى الله ؟
هذا الكتاب هل هو الرابط الوحيد بيننا و بين ذكريات حياتنا الدنيا أم أننا نتمتع بذاكرة كل ما عشناه في الدنيا السابقة ؟
جزاكم الله كل خير ..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب الأعمال الذي يتلقاه العبد يوم القيامة قد سطرت فيه جميع أعمال العبد صغيرها وكبيرها، فهو كما وصفه الله: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {الكهف:49}، ومن كان عمل ذنبا ثم تاب منه فإنه يرى في كتابه ذنبه وتوبته التي محت أثر ذلك الذنب.
قال الدكتور عمر الأشقر حفظه الله: وإطلاع العباد على ما قدموه يكون بإعطائهم صحائف أعمالهم، وقراءتهم لها، فقد أخبرنا ربنا - تبارك وتعالى - أنه وكل بكل واحد منا ملكين يسجلان عليه صالح أعماله وطالحها، فإذا مات ختم على كتابه، فإذا كان يوم القيامة أعطى العبد كتابه، وقيل له: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. قال تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا - اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [الإسراء: 13-14] . وهو كتاب شامل لجميع الأعمال كبيرها وصغيرها. (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) [الكهف: 49]. انتهى.
وأما هل يطلع أحد على كتاب أخيه أو لا؟ فإن الأمر أكبر من أن يشتغل الإنسان بغيره أو يفكر في شأنه، كما قال تعالى:لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه {عبس:37}. وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: أما عند ثلاث فلا، عند الميزان حتى يعلم أيثقل أم يخف، وعند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو شماله، وحين يخرج عنق من النار. الحديث. وقد أخبرنا الله تعالى أن من يؤتى كتابه بيمينه -جعلنا الله منهم- ينادي على أهل الموقف فرحا: هاؤم اقرأوا كتابيه. ومن يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره فإنه يكون على الضد من ذلك فإنه يدعو ثبورا ويصلى سعيرا. وإذا أخذ العبد كتابه بيمينه ودخل الجنة فقد سعد السعادة التي لا شقاء بعدها أبدا، فلو فرض أنه ذكر شيئا من ذنوبه وهو في الجنة فإن هذا التذكر لا ينقص كمال لذته وسروره، بل يكون اعترافا منه بفضل ربه ومنته عليه، فإن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب، وهم يحمدون الله تعالى الذي أذهب عنهم الحزن. وليس هذا الكتاب وحده هو الذي يحصل به تذكر ما كان في دار الدنيا، بل أهل الجنة وأهل النار بعد أن ينزلوا منازلهم فإنهم يتذكرون ما كان منهم في دار الدنيا فيفرح أهل الجنة بمنة الله عليهم كما أخبر الله عنهم أنهم يقولون:قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين {26}، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم {الطور:27} إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم {الطور:28}. وأما أهل النار فإنهم يزدادون بذلك التذكر حسرة على حسرتهم وغما على غمهم، ويتبرأ بعضهم من بعض ويسألون الرجعة بعد اعترافهم بذنوبهم فلا يجابون. قال تعالى: يوم يتذكر الإنسان ما سعى {النازعات:35}. وتفاصيل ذلك اليوم الهائل وما يكون فيه من الأهوال العظام والأحوال الجسام مما لا تتسع له هذه الفتوى، ونوصيك بقراءة كتابي القيامة الكبرى والجنة والنار وهما ضمن مجموعة العقيدة للشيخ الدكتور عمر الأشقر حفظه الله.
والله أعلم.