السؤال
(حديث مرفوع) حدثنا أسد , نا بقية , عن محمد بن عبد الرحمن , عن جعفر بن محمد , عن علي بن أبي طالب , أنه خرج يوما إلى مسجد الكوفة ورجل يقص حوله ناس كثير , فضربه بالدرة , فقال رجل : أتضرب رجلا يدعو إلى الله ويذكره بعظيم ؟ فقال : إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون من أمتي قوم يقال لهم القصاص , لا يرفع لهم عمل إلى الله ما كانوا في مجالسهم تلك. هل دخل في عموم هذا الحديث خطباء هذا العصر؟ أرجو من سعادتكم توضيح هذا الحديث وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه ابن وضاح في (البدع)، وإسناه تالف؛ بقية بن الوليد قد عنعنه، وهو كثير التدليس عن الضعفاء.
قال أبو مسهرالغساني: بقية ليست أحاديثه نقية، فكن منها على تقية اهـ.
ومحمد بن عبد الرحمن هو القشيري، قال الذهبي في الكاشف : متهم . وقال ابن حجر في التقريب: كذبوه.
وجعفر بن محمد الصادق ولد بعد موت علي رضي الله عنه بأربعين سنة.
وأما فقه هذا الحديث وجواب ما سأل عنه السائل، فيتبين مما قال ابن الجوزي في مقدمة كتابه (القصاص والمذكرين): إنما كره بعض السلف القصص لأحد ستة أشياء:
أحدها: أن القوم كانوا على الاقتداء والاتباع، فكانوا إذا رأوا ما لم يكن على عهد رسول الله أنكروه، حتى أن أبا بكر وعمر لما أرادا جمع القرآن قال زيد: أتفعلان شيئا لم يفعله رسول الله؟
والثاني: أن القصص لأخبار المتقدمين تندر صحته، خصوصا ما ينقل عن بني إسرائيل، وفي شرعنا غنية. وقد جاء عمر بن الخطاب بكلمات من التوراة إلى رسول الله، فقال له: أمطها عنك يا عمر! خصوصا إذ قد علم ما في الإسرائيليات من المحال، كما يذكرون أن داود - عليه السلام - بعث أوريا حتى قتل وتزوج امرأته، وأن يوسف حل سراويله عند زليخا. ومثل هذا محال تتنزه الأنبياء عنه، فإذا سمعه الجاهل هانت عنده المعاصي وقال: ليست معصيتي بعجب.
والثالث: أن التشاغل بذلك يشغل عن المهم من قراءة القرآن، ورواية الحديث، والتفقه في الدين.
والرابع: أن في القرآن من القصص وفي السنة من العظة ما يكفي عن غيره مما لا تتيقن صحته.
ـ والخامس: أن أقواما ممن يدخل في الدين ما ليس منه قصوا. فأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام.
ـ والسادس: أن عموم القصاص لا يتحرون الصواب ولا يحترزون من الخطأ لقلة علمهم وتقواهم.
فلهذا كره القصص من كرهه. فأما إذا وعظ العالم، وقص من يعرف الصحيح من الفاسد؛ فلا كراهة اهـ.
وقال في نهاية الباب الحادي عشر (فيما ورد عن السلف من ذم القصص وبيان وجوه ذلك): قد أوضحنا في أول الكتاب فضيلة الوعظ والتذكير. ولا يخفى عموم نفعه للعوام، وليس من ضرورة كونه نافعا أن يتشاغل به الفقهاء كلهم والزهاد. وقد ذكرنا عن أحمد بن حنبل أنه قال: ما أحوج الناس إلى قاص صدوق. وقد روينا عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يعظون، فبان أن من كرهه إنما كرهه لأحد الوجوه التي سبقت في أول الكتاب. ثم قد غلب على أربابه قلة العلم وعدم الإخلاص وأن يجتلبوا به الدنيا وأكثرهم ليس بفقيه، ولأن الانعكاف عليه يشغل عن مهم العلم. فمتى تخلص من هذه الآفات فهو ممدوح. اهـ.
وعلى ذلك فمن كان من الخطباء والوعاظ فيه هذه الآفات لحقه الذم، ومن تخلص من ذلك ونحوه من الآفات كان على خير وإلى خير.
ومن مفاسد القصص التي يجب أن يتخلص منها القاص غير ما تقدم حتى لا يلحقه الذم: العجب بالنفس ورؤية فضلها والترفع على الناس. ومنها: فساد النية وطلب الدنيا والتزين والتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الفصاحة.
قال المناوي في (فيض القدير): القاص الذي يقص على الناس ويعظهم ويأتي بأحاديث لا أصل لها، يعظ ولا يتعظ، ويختال ويرغب في جلوس الناس إليه. اهـ.
والله أعلم.