السؤال
أريد أن أعرف فقط ما هي الأحوال التي يكون فيها التواضع إضاعة للكرامة؟ وهل التواضع لغير المسلم إضاعة للكرامة وعزة المسلم؟
عندي موقف أريد من حضراتكم أن تبينوا لي هل هو تواضع أم لا؟ كنت في رمضان الذي فات أصلي التراويح في دريئة منصوبة بالشارع خارج المسجد وبينما أنا داخله طلبت مني امرأة عجوز أن آخذ بيدها إلى الداخل وبينما هي تريد أن تأخذ حذاءها من على الأرض نزلت أنا وأخذته بدلا منها حيث إنها امرأة عجوز لا تكاد تقدر على الصلاة، فهل ما فعلته معها أضاع كرامتي؟ أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا وأريد أن أعرف متى تضيع الكرامة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الموقف الذي حصل منك فعل حسن تؤجرين عليه ـ إن شاء الله ـ وهو من التواضع المحمود، واعلمي أن التواضع للمؤمنين وخفض الجناح لهم مما يرفع الله به المسلم ولا ينقصه، ولا تنقص به كرامته، بل تزيد كما قال صلى الله عليه وسلم: وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل.
فالتواضع إذا مشروع للمؤمنين، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين {الشعراء:215}.
وقد يكون ترك التواضع هو المشروع أحيانا لمصلحة شرعية، فالتكبر على الكفار في الحروب مشروع إغاظة لهم ونكاية فيهم، وكذا التكبر على من يزيده التواضع تماديا في غيه كالمتكبرين من أهل الدنيا، قال القرافي رحمه الله: وأصل الكبر التحريم، وقد يعرض له ما ينقله عن التحريم إما إلى الوجوب كما في الكبر على الكفار في الحروب وغيرها، وإما إلى الندب كما في الكبر على أهل البدع تقليلا للبدعة، والإباحة فيه بعيدة. انتهى.
وقال في بريقة محمودية: ورد التكبر على المتكبر صدقة، لأنه إذا تواضعت له تمادى في ضلاله وإذا تكبرت عليه تنبه، ومن هنا قال الشافعي: تكبر على المتكبر مرتين ـ وقال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام ـ وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أظلم الظالمين من تواضع لمن لا يلتفت إليه ـ وقيل قد يكون التكبر لتنبيه المتكبر لا لرفعة النفس فيكون محمودا كالتكبر على الجهلاء والأغنياء، قال يحيى بن معاذ: التكبر على من تكبر عليك بماله تواضع وإلا عند القتال مع الكفار لكسر شوكتهم وإيقاعا للخوف والرعب والمهابة عليهم. انتهى.
فإذا علمت أين يحمد التواضع وأين يشرع ضده فقد بين العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ الفرق بين التواضع والمهانة وهو ما عبرت عنه بضياع الكرامة، فقال ما عبارته: والفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها فيتولد من بين ذلك كله خلق هو التواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة بعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا، بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه، وأما المهانة فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها كتواضع السفل في نيل شهواتهم وتواضع المفعول به للفاعل وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه فهذا كله ضعة لا تواضع والله سبحانه يحب التواضع ويبغض الضعة والمهانة، وفي الصحيح عنه: وأوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد. انتهى.
والله أعلم.