السؤال
جزاكم الله خيرا ورفع منزلتكم في الدارين، وسؤالي كالتالي: لدي شبهه أتمنى أن تزيلوها عني: هناك أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب, وأنه دعا على معاوية بـلا أشبع الله بطنه, وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو، أغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا, قلت يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وما ذاك؟ قلت: لعنهتما وسببتهما، قال: أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا ـ وبوب رواة الأحاديث باب: من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وهو أهل لذلك، كان زكاة وأجرا ورحمة ـ والشبهة التي في جوفي بعد قراءتي هذه الأحاديث: كنت أظن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كاملا, فكيف يدعو على مسلم؟ حزنت جدا وأعلم أنني لا أفقه ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلم أنه صواب وأنا المخطئ, ولكن لا زال الشيطان يوسوس لي وأستعيذ منه وأتذكر أن من دعا عليه النبي له أجر من ربه, ولكن أليس النبي صل الله عليه وسلم بالمعصوم، فكيف يدعو بهذا، وكيف تزال هذه الشبهة؟ وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب كما يغضب البشر ولا ينافي ذلك كماله وقد اشترط على ربه أن يجعل لعنه من لا يستحق اللعن من الناس وسبه إياهم زكاة وأجرا لهم، وقد روى البخارى ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنى قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
وفي رواية لمسلم: فأيما أحد دعوت عليه من أمتى بدعوة ليس هو لها بأهل ...
قال النووي في شرح صحيح مسلم: هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وهذه الرواية المذكورة آخرا تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة، فإن قيل كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك؟ فالجواب ما أجاب به العلماء ومختصره وجهان أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، والثاني أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله تربت يمينك وعقرى حلقي وفي هذا الحديث لا كبرت سنك وفي حديث معاوية لا أشبع الله بطنه ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا ادع على دوس فقال اللهم اهد دوسا وقال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون والله أعلم. اهـ.
والصواب في التبويب الذي ذكر السائل هو: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة و أجرا ورحمة ـ هكذا في صحيح مسلم وقد ساق في هذا الباب حديث أنس بن مالك قال: كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة، فقال: آنت هي؟ لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ فقالت الجارية: دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة. اهـ.
والله أعلم.