السؤال
أشكركم على إمدادنا بهذا الكم من المعرفة وأسأل الله أن لا يحرمكم الأجر الدنيوي والأخروي. و سؤالي هو حول علاقة الربوبية و الألوهية.
لم أفهم لماذا المشركون يقرون بالربوبية و ليس الألوهية؟ ونحن قلنا القاعدة الربوبية تستلزم الألوهية.
وأيضا هل الألوهية تشمل الربوبية؟
لم أفهم من ناحية نقول إن "الألوهية تتضمن الربوبية", ومن ناحية أخرى "الربوبية إذا أطلقت، أو إذا أفردت فإنه يدخل فيها الألوهية" ؟ لأني أرى تناقضا لأن الألوهية يجب أن يدخل فيها الربوبية بما أنها تتضمن الربوبية, هل من توضيح بارك الله فيكم؟
وأيضا سؤالي الأخير بارك الله فيكم ما معنى أن الالوهية و الربوبية إذا اجتمعت تفرقت و إذا تفرقت اجتمعت؟ وجزاكم الله خيرا كثيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما كون المشركين مقرين بتوحيد الربوبية فقد نطق به القرآن في غير موضع، قال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم. وقال تعالى: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون. والآيات بهذا المعنى كثيرة. ولكون توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية استدل الله تعالى عليهم بما أثبتوه ليلزمهم إثبات ما نفوه، وبين لهم أن إقرارهم بالله تعالى خالقا ورازقا ومدبرا ومتصرفا في هذا الكون يلزم منه أن يقروا به إلها واحدا معبودا لا تصرف العبادة إلا له ولا يفرد بالطاعة غيره سبحانه وتعالى. وأما إثبات الملزوم الذي هو الربوبية ونفي اللازم الذي هو الإلهية فتناقض عند ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة. فبان بذلك وجه التلازم بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية ووجه الاحتجاج على المشركين بإثباتهم توحيد الربوبية ووجه كونهم مثبتين له نافين لازمه وهو توحيد الإلهية. وأما كون الألوهية تتضمن الربوبية فهذا حق لا شك فيه، ولا ينفي هذا أن يكون اسم الرب واسم الإله يختص كل منهما بمعنى عند الانفراد، وهذا معنى أن الربوبية والألوهية إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكرت الربوبية بمفردها استلزمت الألوهية، وإذا ذكرت الألوهية بمفردها تضمنت الربوبية وكانت الربوبية داخلة في معناها، وإذا ذكرا معا في سياق كان كل منهما مختصا بمعنى فتختص الربوبية بإثبات كونه سبحانه خالقا رازقا مدبرا متصرفا في الكون، وتختص الألوهية بكونه سبحانه معبودا مطاعا، ولهذا نظائر كثيرة كاسم الفقير والمسكين واسم الإيمان والإسلام ونحو ذلك، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى فقال ما عبارته: وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية؛ والربوبية تستلزم الإلهية؛ فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعناه عند الاقتران كما في قوله: {قل أعوذ برب الناس} {ملك الناس} {إله الناس} وفي قوله: {الحمد لله رب العالمين} فجمع بين الاسمين: اسم الإله واسم الرب. فإن " الإله " هو المعبود الذي يستحق أن يعبد. و " الرب " هو الذي يربي عبده فيدبره. ولهذا كانت العبادة متعلقة باسمه الله والسؤال متعلقا باسمه الرب؛ فإن العبادة هي الغاية التي لها خلق الخلق. والإلهية هي الغاية؛ والربوبية تتضمن خلق الخلق وإنشاءهم فهو متضمن ابتداء حالهم. انتهى.
والله أعلم.