طلب العلم يحتاج إلى صبر ومصابرة

0 277

السؤال

أنا طالب علم مبتدئ والحمدلله، ودائما ما ندرس ونتعلم بأن طلب العلم شاق ويحتاج إلى مجاهدة، وأن فيه من المشقة ما فيه ويحتاج إلى صبر وجلد وما إلى ذلك.
وأنا لا أشعر بكل هذا فأنا أحضر الدروس العلمية والدورات العلمية، والحمدلله أشعر بلذة وخشوع وأسأل الله أن يزيدني من ذلك، ولم أشعر بملل حتى الآن بل أشعر بلذة كبيرة وخاصة عند دراسة العقيدة والعلم عن الله تعالى.
فهل هذا شيء طبيعي أم أنه إهمال مني، وأن ذلك دليل عدم استفادتي من العلم، مع العلم أنني الحمدلله أستفيد، وصحيح أنني أحتاج مزيدا من الجهد والمراجعة. ولكني عموما أستفيد وأسأل الله الإخلاص، ولو لم يكن بها إلا فضيلة حضور مجالس الذكر والأجر عند الله لكفى بذلك فرحا. أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
وجهونا بارك الله فيكم كيف أجمع بين أن العلم مشقة وطريق صعب وبين اللذة التي أحصل عليها وعدم شعوري بالتعب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في كون طلب العلم على وجهه يحتاج إلى صبر ومصابرة، فإنه أحد نوعي الجهاد، فمن أراد هذا الشأن وطن نفسه على تحمل الشدائد وخوض غمار الصعاب.

قال أبو هلال العسكري: ومثل العلو في المكارم مثل الصعود في الثنايا والقلل، ولا يكون إلا بشق النفس. ومن ظن أنه ينعم في قصد الذرى والتوقل في الغرفات العلى فقد ظل باطلا وتوهم محالا. ورتبة الأديب من أعلى الرتب، ودرجة العلم أشرف الدرج، فمن أراد مداولتها بالدعة وطلب البلوغ إليها بالراحة كان مخدوعا، وقال الجاحظ: العلم عزيز الجانب، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك كنت من إعطائه إياك البعض على خطر. انتهى.

وكلام الناس في هذا كثير. والتجربة شاهدة به، وما نما إلينا من خبر الأولين وتضحيتهم وتجشمهم المشاق في هذا السبيل غير خاف على من له أدنى مطالعة لسير القوم. ومن ثم حازوا قصب السبق ونالوا درجات الإمامة وكانوا من العلم في ذروته العليا، فليس أمر العلم مقتصرا على مجرد حضور مجالسه وإن كان في ذلك خير كثير بلا شك، حتى يمرن الطالب نفسه على مثافنة الشيوخ والجثو بين أيديهم ويدمن المطالعة، ويتكثر من جيد المحفوظ ويتبحر في فنون العلم. ومن أراد الله به الخير حبب إليه هذا الشأن فاستلان ما استصعب منه وسهل عليه ما عده الناس عسيرا.

قال في الآداب: وقال أبو داود لأحمد كتبت الحديث بنية قال: شرط النية شديد ولكن حبب إلي فجمعته. انتهى.

فمن سهل الله له هذا السبيل فقد من عليه بمنة عظيمة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وهكذا كل من فتح الله له في باب من أبواب الخير فإنه يجد فيه لذته وراحته مع أنه يكون في نفس الأمر مما يحتاج إلى صبر ومصابرة، ويظهر لك هذا بجلاء في قول سيف الله خالد عليه الرضوان: ما ليلة تهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أو أبشر فيها بغلام أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو. فإن يكن الله قد حبب إليك العلم وطلبه فتلك منته عليك فاحمده تعالى على ما أولاك من الفضل وابذل وسعك واستفرغ جهدك في التحصيل والمدارسة، واستعن بالله سائلا إياه أن ييسر لك العسير ويسهل لك الصعب، وأكثر من قراءة سير الأسلاف لتتعرف عظيم ما بذلوا وضحوا في هذا السبيل فلا تستكثر شيئا تبذله من مالك ووقتك لله عز وجل، نسأل الله أن يرزقنا وإياك علما نافعا وعملا متقبلا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة