السؤال
لدي اعتقاد أن الله يرسل إشارات للعبد مثلا: لو كنت تريد القيام بمشروع ووجدت إعلانا في الجريدة أول ما لفت انتباهك وكان مكتوبا فيه عبارة: توقف ـ فهذا معناه أن تعرض عن ما تفعله، ولو كنت تفكر في القيام بمحاولة لعمل شيء ما، وسمعت عبارة: توكل على الله ـ من برنامج دعوي على التلفاز فهدا يعني أن تتوكل على الله و تحاول، فهل هذا صحيح وله أصل في الإسلام؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المصادفات لا أثر لها في الشرع ولا يجوز أن يترك بسببها ما يعزم عليه أو يعتمد عليها في فعل أمر ما وإنما ينبغي للمسلم أن يستخير ويستشير ويدرس الجوانب الإيجابية والسلبية في الأمر ثم يعمل بما بدا له بعد ذلك، قال صاحب مرعاة المفاتيح: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة، فقيل: يفعل ما بدا له ويختار أي جانب شاء من الفعل والترك، وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله يكون خيره ونفعه، فلا يوفق إلا لجانب الخير، وهذا لأنه ليس في الحديث أن الله ينشئ في قلب المستخير بعد الاستخارة انشراحا لجانب أو ميلا إليه، كما أنه ليس فيه ذكر أن يرى المستخير رؤيا أو يسمع صوتا من هاتف أو يلقى في روعه شيء، بل ربما لا يجد المستخير في نفسه انشراحا بعد تكرار الاستخارة، وهذا يقوي أن الأمر ليس موقوفا على الانشراح، وفي الجملة المذكورة في الحديث إنما هو أمر للعبد بالدعاء بأن يصرف الله عنه الشر، ويقدر له الخير أينما كان، وهذا اختاره ابن عبد السلام حيث قال: يفعل المستخير ما اتفق، واستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره: ثم يعزم، وأول الحديث: إذا أراد أحدكم أمرا فليقل، وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني: إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير وإن لم تنشرح له نفسه، وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس. اهـ.
وأما تركه ما أراده وتوجه إليه بسبب وجود كلمة توقف في جريدة تصفحها فيخشى أن يكون فيه نوع من التشاؤم المنهي عنه، فقد قال الحكمي في معارج القبول ما ملخصه: وأما الطيرة: فهي ترك الإنسان حاجته واعتقاده عدم نجاحها تشاؤما بسماع بعض الكلمات القبيحة كيا هالك، أو يا ممحوق ونحوها ... وكثير من الناس إذا لقيه وهو ذاهب لحاجة صده ذلك عنها، وكثير من الناس يتشاءم بما يعرض له نفسه في حال خروجه كما إذا عثر أو شيك يرى أنه لا يجد خيرا.... انتهى.
وأما التوكل على الله تعالى فهو من أعظم العبادات ومن أنفع الأسباب وعلى العبد أن يتوكل على الله جل وعلا في جميع أموره؛ فإن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحقيقة التوكل هي الاعتماد على الله عز وجل والاستعانة به في نجاح الامر مع الأخذ بالأسباب، فمن ترك العمل ـ أي الأخذ بالأسباب ـ فهو العاجز المتواكل ومن درس أمره واحتمالاته واستشار واستخار وعزم على ما يختاره فليعمل بما يراه مناسبا وليتوكل على الله في نجاح مهمته، قال الله تعالى: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله {آل عمران:159}.
ولمزيد الفائدة عن معنى التوكل وحقيقته يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 146499، 18784، 118213.
والله أعلم.