علة النضح في حال الشك بالإصابة بالنجس

0 216

السؤال

أنا شخص مصاب بوسواس الطهارة، وكثيرا ما قرأت على موقعكم أن اليقين لا يزول بالشك، وأن الأصل في الأشياء الطهارة، ولكنني قرأت لكم أيضأ قول المالكية في حالة الشك في النجاسة أنه يجب نضح المحل بالماء، فكيف يتم التوفيق بين هذين الأمرين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاليقين لا يزول بالشك، والأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت عكس ذلك، قاعدتان من القواعد المقررة لدى الفقهاء بما في ذلك المالكية، ولا منافاة بينهما مع ما ذكر من وجوب النضح في حال الشك بالإصابة بالنجس الذي هو مذهب المالكية حيث أوجبوا نضح المشكوك في إصابته بالنجس، لوجود النص بذلك، والظاهر أنهم يرون ذلك من باب دفع الوسوسة وليس من باب العمل بخلاف القاعدة المذكورة، ولو كان الأمر كذلك لأوجبوه في الطعام المشكوك في إصابته بالنجاسة ولكان الواجب الغسل وليس النضح الذي هو في الحقيقة ليس إزالة للنجاسة، بل زيادة لها، ودليل النضح ما روى مالك في الموطإ: عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصلي لكم قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم.

فاعتبروا النضح هنا دفعا للوسوسة وقطعا للشك، ففي الذخيرة للقرافي: إذا شك في إصابة النجاسة المحل نضحه، لما في مسلم أنه عليه السلام أتي بحصير قد اسود من طول ما قد لبث فنضحه صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ... ثم هل يفتقر النضح إلى نية لكونه تعبدا لنشره النجاسة من غير إزالة فأشبه العبادات، أو لا يفتقر لكونها طهارة نجاسة؟. انتهى.

وفي شرح الموطإ للزرقاني: فنضحته بماء ـ ليلين لا لنجاسة، قاله إسماعيل القاضي، وقال غيره: النضح طهور لما شك فيه لتطيب النفس كما قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر، قال أبو عمر: ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى تتيقن النجاسة، فالنضح الذي هو الرش لقطع الوسوسة فيما شك فيه..

وقال الحافظ: يحتمل أن النضح لتليين الحصير أو لتطهيره، ولا يصح الجزم بالأخير، بل المتبادر غيره، لأن الأصل الطهارة. انتهى. 

وفي الخرشي على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قول خليلوإن شك في إصابتها لثوب وجب نضحه، ش: أي، وإن شك على السواء أو ظن ظنا غير غالب في إصابة النجاسة غير نجاسة الطريق لثوب أو خف أو نعل فإنه يجب عليه النضح لقطع الوسوسة، لأنه إذا وجد بعد ذلك بلة أمكن أن تكون من النضح فتطمئن نفسه، لأمره عليه الصلاة والسلام بنضح الحصير الذي اسود بطول ما لبث، لحصول الشك فيه، وقول عمر حين شك في ثوبه هل أصابه مني: أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر، ولعمل الصحابة والتابعين، وقال مالك في المدونة: وهو من أمر الناس انتهى .

ونظيرهذه المسألة أمره صلى الله عليه وسلم بغسل اليدين قبل غمسهما في الإناء بعد النوم في قوله: وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. رواه البخاري وغيره.

فإن علة هذا الأمر الشك في إصابتهما بالنجس وهو لا يدري، وقد حمل الجمهور الأمر هنا على الندب، وحمله الإمام أحمد  على الوجوب في نوم الليل دون نوم النهار، قال الحافظ ابن حجرثم الأمر عند الجمهور على الندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار ...والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك، لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لأصل الطهارة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة