السؤال
أريد أن أسألكم ماهو اليقين الذي يتيقنه الداعي بعد دعاء الله سبحانه وتعالى؟ هل يتيقن أن دعاءه أجيب وأن طلبه سوف يتحقق عاجلا أو آجلا؟ أم أنه يتيقن أن الله إما أن يجيب دعاءه أو يدفع عنه بلاء بكرم منه ثم بسبب الدعاء، أو أنه يحفظ دعاءه ليوم القيامة؟ فمثلا، لو دعوت الله أن يشفيني، فهل أتيقن أن الله سوف يشفيني عاجلا أو آجلا في الدنيا؟ أم أتيقن أن الله إما أن يشفيني أو يدفع عني بلاء بمثل ما دعوت أو أنه يحفظ دعائي ليوم القيامة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم عند دعائه أن يكون على حالة تؤهله لإجابة الدعاء من إخلاص النية، وحضور القلب، وفعل الطاعات، وقوة الرجاء، وأن يوقن بأن الله سيجيب دعاءه، هذا ما ينبغي للمؤمن عند الدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي. وحسنه الألباني.
وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي للمؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ـ قال التوربشتي: فيه وجهان: أحدهما أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء، وآدابه، حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد.
والثاني: ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة، لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا، وإذا لم يكن رجاؤه صادقا لم يكن الدعاء خالصا، والداعي مخلصا، فإن الرجاء هو الباعث على الطلب، ولا يتحقق الفرع إلا بتحقق الأصل.
وقال المناوي في التيسير شرح الجامع الصغير عند الحديث المذكور: ادعوا الله ـ أي اسألوه من فضله وأنتم موقنون متحققون جازمون بالإجابة حال الدعاء بأن تكونوا على حال تستحقون فيها الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان وقوة الرجاء في الرحمن، وقيل معنى موقنون بالإجابة، أي معكم نور اليقين حتى ينجاب لكم الحجاب وينفلق وتنفذ الدعوة إلى ربها، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه، أي لا يعبأ بسؤال سائل مشغوف القلب بما أهمه من دنياه، قال الإمام الرازي: أجمعوا على أن الدعاء مع غفلة القلب لا أثر له. انتهى.
واليقين بإجابة الدعاء من إحسان الظن بالله تعالى، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9081.
فعند ما تدعو الله بالشفاء فكن على يقين أن الله سيجيب دعاءك ولن يردك خائبا، لكن لا يلزم من إجابة الدعاء تحقق ما يطلب الداعي بعينه، فالله سبحانه وتعالى أعلم بما فيه مصلحة العبد، فهو يمنحه ما يشاء ويدخر له ما يشاء، فليسأله بيقين، ولن يذهب دعاؤه سدى إذا توفرت شروط إجابة الدعاء المبينة في الفتوى رقم: 11571.
وإذا تحققت شرط الإجابة وانتفت موانعها فإن الله تعالى يستجيب الدعاء عاجلا في الدنيا أو آجلا في الآخرة، ففي الحديث: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وفي رواية لأحمد: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
والله أعلم.