السؤال
أنا شاب أعاني من الوسواس وقلت الله يقطع يدي إن فعلت العادة السرية فغلبتني نفسي وفعلتها ثم تبت إلى الله ونويت أن لا أكرر الدعاء على النفس، وصليت ركعتين توبة من الدعاء على النفس، ومن ثم لم أطاوع نفسي في ممارسة العادة السرية بكثرة فقلت نفس الدعاء ولكن هذه المرة قلت إن فعلتها أكثر من 3 مرات في الأسبوع بغية الراحة وفعلتها أكثر، والآن يؤنبني ضميري وأريد أن أتوب من كثرة الحلف على النفس توبة نصوحا فادع لي يا شيخ بالهداية وترك العادة السرية نهائيا، سمعت أقوالا كثيرة منها أن الدعاء لا يعتبر دعاء لأنني حلفت على معصية، ومنها الكفارة، مع العلم أنني كنت في السابق أحلف على عدم فعل العادة السرية، ومن ثم أعود من جديد أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهداية والتوفيق للبعد عن العادة السيئة ويخلصك من الوسوسة.
واعلم أن المسلم منهي عن الدعاء على نفسه؛ لما ورد من النهي عنه، فقد روى أبو داود عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم.
وفي حواشي الشرواني على تحفة المحتاج: ويكره للإنسان أن يدعو على ولده أو نفسه أو ماله أو خدمه؛ لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.. قال الرشيدي: والظاهر أن المراد بالدعاء الدعاء بنحو الموت، وأن محل الكراهة عند الحاجة كالتأديب ونحوه، وإلا فالذي يظهر أنه بلا حاجة لا يجوز على الولد والخادم. انتهى.
وبناء عليه، فمن الخطأ أن يدعو المرء على نفسه إن هو فعل شيئا من المحرمات لكي يمنع نفسه منها، وإنما ينبغي أن يقلع عنها خوفا من الله واتقاء لسخطه، ثم يدعو الله أن يوفقه لذلك وأن يعينه على الاستقامة.
وأما عن اعتبار هذا الدعاء ووقوعه فظاهر الأحاديث السابقة أنه يمكن أن يقع على الشخص ما دعا به، وقد قال بعض أهل العلم: إن الدعاء على النفس من اللغو الذي لا اعتبار له ولا مؤاخذة به، جاء في تفسير البغوي وغيره: قال زيد بن أسلم: ومن اللغو دعاء الرجل على نفسه تقول لإنسان: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا، ويقول: هو كافر إن فعل كذا، فهذا كله لغو لا يؤاخذه الله به، ولو آخذهم به لعجل لهم العقوبة، كما قال تعالى: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم، قال ابن عباس: هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده: لعنكم الله، ولا بارك الله فيكم، قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب.
وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء، ولهذا قال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم. اهـ.
وأما عن الحلف الذي حصل منك: فإن كنت تعني به دعاءك على نفسك فالواجب هو التوبة من ذلك وليس عليك كفارة يمين، وأما إن أقسمت بالله تعالى على ترك المعصية ثم وقعت فيها فعليك كفارة الأيمان التي حنثت فيها.
والله أعلم.