السؤال
ما الفرق بين هذين الحديثين الصحيحين، الحديث الأول: قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
وأما الحديث الآخر: عن أبي هريرة، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت إن جاءني رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، فقال: أفرأيت إن قاتلني؟ قال: فقاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: فهو في النار.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بسطنا القول في الحديث الأول ـ أي حديث حذيفة ـ في الفتوى رقم: 107887، وبينا أن المراد من الحديث أنه تلزم طاعة الإمام وعدم الخروج عليه ولو ضرب الظهر وسلب المال، تفاديا لمنع تفرق المسلمين وحدوث ضرر أعظم.
كما بسطنا القول في روايات هذا الحديث وطرقه في الفتوى رقم: 53812.
وأما الحديث الثاني ـ أي حديث أبي هريرة ـ فهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره، والمراد من الحديث أن الصائل لأخذ المال محارب لا يعطى منه شيئا ولو أدى ذلك إلى مقاتلته وقتله، لما في تركه من إعانته على المنكر، قال القرطبي في المفهم: دليل على أن المحارب لا يجوز أن يعطى شيئا له بال من المال إذا طلبه على وجه الحرابة ما أمكن، لا قليلا ولا كثيرا، وأن المحارب يجب قتاله، ولذلك قال مالك: قتال المحاربين جهاد ـ وقال ابن المنذر: عوام العلماء على قتال المحارب على كل وجه، ومدافعته عن المال والأهل والنفس.
وقد سبق أن بينا حكم الصائل في الفتوى رقم: 80226.
وخلاصة الفرق بين الحديثين: أن مورد الأول منهما وجوب طاعة الإمام ولو سلب المال وضرب الظهر، ارتكابا لأخف الضررين، واحتمالا لأدنى المفسدتين، لأن شق عصا المسلمين أعظم من كل ضرر، وإن كان الإنكار عليه دون الخروج عليه أمر واجب، وأما الحديث الثاني فمورده وجوب مدافعة الصائل لأخذ المال، لأنه محارب معتد، وذلك تغيير للمنكر، لأن الإغضاء عنه مفسدة متمحضة.
والله أعلم.