السؤال
أنا شاب مصري أعمل باحثا في مجال الفيزياء بإحدى الجامعات المصرية المرموقة، ونظرا لتفوقي في هذا المجال العلمي عرضت علي إحدى الجامعات في دولة أوروبية الالتحاق بها لاستكمال دراستي عندهم وإجراء أبحاث علمية في هذا المجال مع الاحتفاظ بوظيفتي في مصر، والجامعة المستضيفة ستتكفل بجميع النفقات وستغدق علي المال مقابل ذلك، وبمجرد انتهاء الفترة الزمنية المتعاقد عليها بيني وبينهم فبإمكاني أن أرجع إلى مصر، وأنا بفضل الله أحسب نفسي من الملتزمين ـ ولا أزكي نفسي على الله ـ وأجتهد في اتباع منهج السلف الصالح، وبفضل الله أحفظ القرآن كاملا وحاصل على إجازات قرآنية من كبار علماء القراءات، والحمد لله أعمل في مجال تعليم القرآن الكريم إلى جانب عملي الرئيسي، وقد أديت الخدمة العسكرية في الجيش المصري وتدربت على استخدام السلاح، وكنت قد حصلت على المركز الأول في الرماية، والحمد لله صحتي جيدة وعندي لياقة عالية، وسؤالي هو: هل خروجي للجهاد بالنفس في سوريا واجب وأولى من خروجي لطلب العلم الدنيوي ـ الفيزياء ـ في هذه الدولة الأوروبية، مع العلم أنني إن خرجت للدراسة في هذه الدولة الأوروبية سأعمل ـ إن شاء الله ـ في مجال الدعوة إلى الله هناك وتعليم وإقراء كتاب الله للمسلمين هناك الذين لا يجدون من يأخذ بأيديهم إلى كتاب الله، ومع العلم أيضا أنني أعرف أشخاصا باستطاعتهم بتوفيق من الله إيصالي سالما للأراضي السورية للالتحاق بصفوف المجاهدين؟ أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الجهاد في سبيل الله توجيه الهمة إلى تعلم ما تحتاجه الأمة من العلوم النافعة، فقد قال أهل العلم: إن دراسة العلوم الدنيوية كالهندسة والطب وغيرها مما تقوم عليه مصالح الناس فرض كفاية يجب أن يتخصص فيها بعض الأمة، لأنها إذا تركت بالكلية فستضيع المجتمعات، ويتعطل القيام ببعض العبادات، والمصالح العامة، فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها وعليه أن يطلبها، فطلب هذه العلوم من أعظم العبادات وأنفع القربات ومن فروض الكفايات، قال ابن القيم في الطرق الحكمية: ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك، فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك، ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي إن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية لحاجة الناس إليها. اهـ.
وقد تتعين على بعض الطلبة فيكون تحصيلها فرض عين عليهم إذا توجهوا إليها، وكانوا مؤهلين لتعلمها، وكانت الأمة محتاجة إليها، ولم يوجد مؤهل للقيام بها غيرهم، قال ابن تيمية: إن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها إلا الإنسان بعينه صارت فرض عين عليه، إن كان غيره عاجزا عنها، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل. اهـ.
فنرى أن الأمة في حاجة إلى وجود أمثالك من المستقيمين الذين يتخصصون في مثل هذه العلوم، فأنت إذن على ثغرة من الثغرات المهمة لهذه الأمة، وما تقوم به نوع من الجهاد، وانظر الفتوى رقم: 54245، وهي عن أنواع الجهاد.
ومع ذلك لا تغفل أن تسعى لنصرة إخوانك في بلاد الشام بما تستطيع من جهد معنوي أو مادي، ويبقى النظر في أمر هذا العرض الذي قدم لك من الجامعة المذكورة، فإن كنت قادرا على إقامة شعائر دينك في تلك البلاد فلا حرج عليك في الذهاب إلى هنالك، خاصة وأن هنالك مصالح أخرى كالفوائد المادية التي يمكن أن تعينك على الاستقرار وبذل المزيد من الجهد، ولمزيد الفائدة راجع الفتويين رقم: 64483، ورقم: 144781.
واحرص على العودة إلى بلدك للإقامة فيها حتى ينتفع بك أبناء المسلمين فتساهم في إعداد جيل ينفع الله به الأمة.
والله أعلم.