لا يضاف إلى الله إلا أشرف أفعاله

0 484

السؤال

قد قرأت فتاوى لكم في أنه لا حرج من قولنا عيب خلقي
ولكن قد قرأت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( كل خلق الله تعالى حسن ) صححه الألبانى
أيضا ورد فى تفسير البغوى عند قول الله تعالى ( وإذا مرضت فهو يشفين )
قال ( وإذا مرضت ) أضاف المرض إلى نفسه وإن كان المرض والشفاء كله من الله ، استعمالا لحسن الأدب كما قال الخضر : " فأردت أن أعيبها ، وقال : " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما " انتهى
الشاهد هنا قول الخضر فأردت أن أعيبها فنسب العيب لنفسه استعمالا لحسن الأدب
فما قولكم بارك الله فيكم ونفع بكم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا شك أن الله سبحانه هو الخلاق العليم الذي أحسن كل شيء خلقه، وهو الذي صورالناس فأحسن صورهم وقسم بينهم أشكالهم كما قسم بينهم أرزاقهم، كما قال تعالى : ( الذي أحسن كل شيء خلقه ) وقال : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ومن المعلوم المقطوع به أن الله تعالى هو خالق كل شيء، وأنه لا تكون حركة ولا سكنة إلا بإذنه ومشيئته، ولا يوجد في الكون إلا ما قدره وقضاه، وهذا يعم كل ما يحمده الناس وما يعيبونه؛ كما قال تعالى: الله خالق كل شيء {الزمر:62}. لكن الشر ليس إلى الله تعالى فهو ليس من أفعاله وإن كان من مفعولاته، فأفعاله كلها خير، ولكن المقدور قد يكون شرا بالنسبة للعبد في حال ما لأنه غير ملائم له، وذلك أن الله إنما خلق الشر لحكم بالغة تترتب على وجوده، فخلقه وإيجاده له ليس شرا وإن كان هو في نفسه شرا. ولذا لا يضاف الشر إلى الله تعالى، بل إما أن يدخل في العموم كقوله: الله خالق كل شيء {الزمر:62}. أو يضاف إلى سببه كقوله: من شر ما خلق {الفلق:2}. أو يحذف فاعله كقول مؤمني الجن: وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض {الجن:10}. ومن الثاني قول الخليل: وإذا مرضت فهو يشفين. {سورة الشعراء:80}

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بالدعاء المأثور في قيام الليل ومنه: والخير كله بيديك، والشر ليس إليك. رواه مسلم .

قال شيخ الإسلام: والله تعالى وإن كان خالقا لكل شيء فإنه خلق الخير والشر لما له في ذلك من الحكمة التي باعتبارها كان فعله حسنا متقنا، كما قال: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين} [سورة السجدة: 7] وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88] فلهذا لا يضاف إليه الشر مفردا، بل إما أن يدخل في العموم، وإما أن يضاف إلى السبب، وإما أن يحذف فاعله. فالأول: كقول [الله تعالى]: {الله خالق كل شيء} [سورة الزمر: 62] والثاني: كقوله: {قل أعوذ برب الفلق - من شر ما خلق} [سورة الفلق: 1، 2] والثالث كقوله فيما حكاه عن الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [سورة الجن: 10] وقد قال في أم القرآن: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6، 7] فذكر أنه فاعل النعمة، وحذف فاعل الغضب، وأضاف الضلال إليهم. وقال الخليل [عليه السلام] {وإذا مرضت فهو يشفين} [سورة الشعراء: 80] ، ولهذا كان لله الأسماء الحسنى، فسمى نفسه بالأسماء الحسنى المقتضية للخير. وإنما يذكر الشر في المفعولات، كقوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} [سورة المائدة: 98]. انتهى.

وهذا من تمام الأدب مع الله تعالى في الخطاب بحيث لا يضاف إليه مفردا إلا أشرف قسمي أفعاله سبحانه.

قال ابن القيم رحمه الله: وأما المسألة الخامسة وهي أنه قال: {الذين أنعمت عليهم} ولم يقل المنعم عليهم كما قال المغضوب عليهم، فجوابها وجواب المسألة السادسة واحد، وفيه فوائد عديدة: إحداها أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن الكريم وهي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله، فمنه هذه الآية فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها، ولما ذكر الغضب حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول فقال: {المغضوب عليهم} وقال في الإحسان الذين أنعمت عليهم. ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين} فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى، ولما جاء إلى ذكر المرض قال وإذا مرضت ولم يقل أمرضني، وقال فهو يشفين. ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} فنسبوا إرادة الرشد إلى الرب وحذفوا فاعل إرادة الشر وبنوا الفعل للمفعول. ومنه قول الخضر عليه الصلاة والسلام في السفينة: {فأردت أن أعيبها} فأضاف العيب إلى نفسه، وقال في الغلامين: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما} ومنه قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}. فحذف الفاعل وبناه للمفعول وقال: {وأحل الله البيع وحرم الربا}. لأن في ذكر الرفث ما يحسن منه أن لا يقترن بالتصريح بالفاعل. انتهى.

  وأما حديث: كل خلق الله تعالى حسن فقد قال فيه المناوي : ( كل خلق الله تعالى حسن ) أي أخلاقه المخزونة عنده التي هي مائة وسبعة عشر كلها حسنة فمن أراد به خيرا منحه منها شيئا  اهـ

هذا؛ وننبه إلى أن قول عيب خلقي ليس فيه إساءة أدب لأن هذا الأمر لم يسند إلى الله تعالى ولم يذكر فيه اسم الجلالة، بل المراد أن العيب موجود في الشخص من أصل الخلقة وليس طارئا عليه، يعنون أنه خلق كذلك وليس طارئا بسبب حادث.

قال في المصباح : و ( الخلقة ) الفطرة وينسب إليها على لفظها فيقال عيب ( خلقي ) ومعناه موجود من أصل الخلقة وليس بعارض اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة