السؤال
حديث: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
ما مدى صحته؟ هو موجود في صحيح البخاري, لكن الحديث لم يرو إلا عن أبي بكر الثقفي بعد انهزام السيدة عائشة -رضي الله عنها- في وقعة الجمل. وأبو بكر قد جلد بسبب شهادة قد أدلى بها.
فكيف يؤخذ بالحديث وهو ليس متواترا، وراوي الحديث قد أقيم عليه حد من الحدود؟؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصاحب مثل هذا الطعن أولى برد قوله وفهمه، وتطبيقه لقواعد علم الحديث، فقد خالف فيه قضايا مبتوتة:
ـ أولها: رد حديث لكونه من رواية أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه، وقد أجمع أهل العلم بالحديث على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه، بل وعلى قبول رواية جميع الصحابة رضي الله عنه، وكونهم جميعا من العدول.
ـ وثانيها: تضعيف حديث من أحاديث صحيح البخاري، قد أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول.
وأما بخصوص الشبهة المذكورة في السؤال، فجوابها يعتمد على التفريق بين المحدودين في القذف، فمن كان قذفه بلفظ الشهادة لم يقدح ذلك في عدالته، بخلاف غيره.
قال الكلوذاني في (التمهيد): إذا كان الراوي محدودا في قذف فلا يخلو: أن يكون قذف بلفظ الشهادة أو بغير لفظها، فإن كان بلفظ الشهادة لم يرد خبره، لأن نقصان عدد الشهادة ليس من فعله، فلم يرد به خبره، ولأن الناس اختلفوا: هل يلزمه الحد أم لا؟ وإن كان بغير لفظ الشهادة رد خبره، لأنه أتى بكبيرة إلا أن يتوب. اهـ.
وقال ابن قدامة في (روضة الناظر): المحدود في القذف إن كان بلفظ الشهادة فلا يرد خبره؛ لأن نقصان العدد ليس من فعله، ولهذا روى الناس عن أبي بكرة، واتفقوا على ذلك، وهو محدود في القذف، وإن كان بغير لفظ الشهادة فلا تقبل روايته حتى يتوب. اهـ.
وقال ابن عقيل في (الواضح): قال أحمد: ولا يرد خبر أبي بكرة ولا من جلد معه؛ لأنهم جاءوا مجيء الشهادة، ولم يأتوا بصريح القذف، ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد. اهـ.
وقال مغلطاي في (إكمال تهذيب الكمال): وفي المدخل لأبي بكر الإسماعيلي: لم يمتنع أحد من التابعين فمن بعدهم من رواية حديث أبي بكرة والاحتجاج بها، ولم يتوقف أحد من الرواة عنه، ولا طعن أحد على روايته من جهة شهادته على المغيرة، هذا مع إجماعهم أن لا شهادة لمحدود في قذف غير تائب فيه، فصار قبول خبره جاريا مجرى الإجماع، فما كان رد شهادته قبل الفرية جاريا مجرى الإجماع. اهـ.
وقال الشيرازي في (شرح اللمع): وأما أبو بكرة ومن جلد معه في القذف، فإن أخبارهم مقبولة لأنهم لم يخرجوا القول مخرج القذف، وإنما أخرجوه مخرج الشهادة، وجلدهم عمر رضي الله عنه باجتهاده، فلا يجوز رد أخبارهم. اهـ.
ونقل العلائي في (تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة) عن البيهقي قوله: "كل من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن صحبه أو لقيه فهو ثقة، لم يتهمه أحد ممن يحسن علم الرواية فيما روى". ثم قال: وقد ذكر جماعة من أئمة الأصول في هذا الموضع قصة أبي بكرة، ومن جلد عمر رضي الله عنه في قذف المغيرة بن شعبة، وأن ذلك لم يقدح في عدالتهم؛ لأنهم إنما أخرجوا ذلك مخرج الشهادة ولم يخرجوه مخرج القذف، وجلدهم عمر رضي الله عنه باجتهاده، فلا يجوز رد أخبارهم بل هي كغيرها من أخبار بقية الصحابة رضي الله عنهم. اهـ.
وهذه النقول وغيرها يمكن أن يرجع إليها السائل في رسالة فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد: (الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال) ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 151065 ، 152391.
وأما الاحتجاج بكون هذا الخبر ليس متواترا، فالصحيح أن خبر الواحد تبثت به العقائد والأحكام، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية:8406، 6906، 28926، 129610.
فائدة: هذا الحديث رواه الطبراني في الأوسط من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، قال: أخبرنا أبو عوانة، قال: أخبرنا سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:لن يفلح قوم يملك أمرهم امرأة ثم قال: لا يروى هذا الحديث عن جابر بن سمرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. اهـ.
ولكن ابن جبلة هذا متهم بالكذب، فلا يفرح بهذا الشاهد.
والله أعلم.