الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمهور على أن الحلف بالطلاق - سواء أريد به الطلاق, أو التهديد, أو المنع, أو الحث, أو التأكيد -، يقع به الطلاق عند وقوع المحلوف عليه, وأن الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثا، وهو المفتى به عندنا, خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أن حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق, وإنما يراد به التهديد, أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع المحلوف عليه لزم الحالف كفارة يمين ولا يقع به طلاق, وأن الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 11592.
والفرق بين قصد الطلاق والتهديد أن الزوج إن كان قاصدا إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط فهو قاصد للطلاق, وأما إن كان لا يريد الطلاق - ولو فعلت الزوجة الشرط - فهو حالف غير قاصد للطلاق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: "فصل: في التفريق بين التعليق الذي يقصد به الإيقاع والذي يقصد به اليمين. فالأول: أن يكون مريدا للجزاء عند الشرط, وإن كان الشرط مكروها له؛ لكنه إذا وجد الشرط فإنه يريد الطلاق؛ لكون الشرط أكره إليه من الطلاق؛ فإنه وإن كان يكره طلاقها ويكره الشرط؛ لكن إذا وجد الشرط فإنه يختار طلاقها: مثل أن يكون كارها للتزوج بامرأة بغي أو فاجرة أو خائنة أو هو لا يختار طلاقها؛ لكن إذا فعلت هذه الأمور: اختار طلاقها؛ فيقول إن زنيت أو سرقت أو خنت فأنت طالق, ومراده إذا فعلت ذلك أن يطلقها: إما عقوبة لها؛ وإما كراهة لمقامه معها على هذا الحال: فهذا موقع للطلاق عند الصفة؛ لا حالف: .......وأما التعليق الذي يقصد به اليمين فيمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم بخلاف النوع الأول فإنه لا يمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم, وهذا القسم إذا ذكره بصيغة الجزاء فإنما يكون إذا كان كارها للجزاء؛ وهو أكره إليه من الشرط: فيكون كارها للشرط؛ وهو للجزاء أكره ويلتزم أعظم المكروهين عنده ليمتنع به من أدنى المكروهين, فيقول: إن فعلت كذا فامرأتي طالق, أو عبيدي أحرار, أو علي الحج ونحو ذلك, أو يقول لامرأته: إن زنيت أو سرقت أو خنت: فأنت طالق يقصد زجرها أو تخويفها باليمين لا إيقاع الطلاق إذا فعلت؛ لأنه يكون مريدا لها, وإن فعلت ذلك؛ لكون طلاقها أكره إليه من مقامها على تلك الحال, فهو علق بذلك لقصد الحظر والمنع؛ لا لقصد الإيقاع: فهذا حالف ليس بموقع. وانظر الفتوى رقم:167767.
واعلم أن هذه الصيغة التي استعملتها تسمى تعليق التعليق؛ فلا يقع بها الطلاق الثلاث, وإنما يقع بها طلقة واحدة عند حصول المعلق عليه، فقد سئل الشيخ عليش كما في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: عمن قال علي الطلاق ثلاثا إن كلمت زيدا تكوني طالقا فهل يلزمه إن كلمت زيدا الطلاق الثلاث أم لا، فأجاب بقوله: الحمد لله يلزمه واحدة إن لم ينو أكثر; لأن جواب الشرط تكوني طالقا, والله أعلم, وتقدم لنا أن هذا من تعليق التعليق يتوقف لزوم الثلاث فيه على مجموع شيئين: كلامها زيدا, وعدم طلاقها, وهي تطلق بمجرد الكلام فلم يوجد مجموع الشيئين فلم يلزمه الطلاق الثلاث. اهـ
والمرجع في تعيين المعلق عليه إلى نيتك, فإن كنت قصدت منعها من فتح المصباح مدة معينة أو بصفة معينة تقيدت يمينك بها، فإنه النية تخصص العام, وتعمم الخاص, وانظر الفتوى رقم: 35891.
وإذا كانت زوجتك قد فعلت المحلوف عليه ناسية, فقد اختلف العلماء في وقوع الطلاق في هذه الحال, وقد رجح بعض المحققين من العلماء عدم وقوع الطلاق في هذه الحال، كما بيناه في الفتوى رقم: 139800.
وما دامت المسألة محل خلاف بين أهل العلم وتحتاج إلى استفصال فلتعرضوها على المحكمة الشرعية, أو على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوقين ببلدكم.
والله أعلم.