السؤال
ما صحة عبارة: (الناجي منا يوم القيامة يأخذ بيد أخيه)؟ ومن قائلها؟ وهل يجوز أن نوصي بها أهل التقى - سواء من الرجال الأجانب أو النساء - ليتذكرونا يوم القيامة؟ وهل هذه الشفاعة تفيد يوم القيامة أم بعد دخول الجنة؟
ما صحة عبارة: (الناجي منا يوم القيامة يأخذ بيد أخيه)؟ ومن قائلها؟ وهل يجوز أن نوصي بها أهل التقى - سواء من الرجال الأجانب أو النساء - ليتذكرونا يوم القيامة؟ وهل هذه الشفاعة تفيد يوم القيامة أم بعد دخول الجنة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم قائل هذه العبارة، أما معناها الخاص من أن الناجي يوم القيامة قد يأخذ بيد أخيه المسلم فلم نقف على ما يدل عليه, إلا ما ورد عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا: سلك رجلان مفازة: عابد، والآخر به رهق، فعطش العابد حتى سقط؛ فجعل صاحبه ينظر إليه؛ ومعه ميضأة فيها شيء من ماء، فجعل ينظر إليه وهو صريع، فقال: والله! لئن مات هذا العبد الصالح عطشا ومعي ماء؛ لا أصيب من الله خيرا أبدا، ولئن سقيته مائي لأموتن، فتوكل على الله وعزم، فرش عليه من مائه وسقاه فضله، فقام، فقطعا المفازة, فيوقف الذي به رهق للحساب، فيؤمر به إلى النار، فتسوقه الملائكة، فيرى العابد، فيقول: يا فلان! أما تعرفني؟ فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا فلان الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة, فيقول: بلى أعرفك, فيقول للملائكة: قفوا, فيقفون، فيجيء حتى يقف فيدعو ربه عز وجل، فيقول: يا رب! قد عرفت يده عندي، وكيف آثرني على نفسه، يا رب! هبه لي، فيقول: هو لك، فيجيء فيأخذ بيد أخيه، فيدخله الجنة. أخرجه الطبراني في الأوسط, وضعفه الألباني .
أما معنى العبارة العام من أن الصالحين يشفعون فصحيح، فالشفاعة يوم القيامة ثابتة للأنبياء والصالحين، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين, أو مثل أحد الحيين: ربيعة ومضر. أخرجه أحمد، لكن لهذه الشفاعة شروط، هي: رضا الله عن الشافع والمشفوع له، وإذن الله بالشفاعة، قال تعالى: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى {النجم:26}.
قال ابن تيمية: فكلما كان الرجل أتم إخلاصا لله؛ كان أحق بالشفاعة، وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين، يرجوه ويخافه؛ فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة, فشفاعة المخلوق عند المخلوق تكون بإعانة الشافع للمشفوع له، بغير إذن المشفوع عنده، بل يشفع إما لحاجة المشفوع عنده إليه، وإما لخوفه منه، فيحتاج أن يقبل شفاعته, والله تعالى غني عن العالمين، وهو وحده سبحانه يدبر العالمين كلهم، فما من شفيع إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشفيع في الشفاعة، وهو يقبل شفاعته، كما يلهم الداعي الدعاء، ثم يجيب دعاءه، فالأمر كله له, فإذا كان العبد يرجو شفيعا من المخلوقين، فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة، ولا يقبل شفاعته. أهـ.
ومع ثبوت الشفاعة للصالحين فلا نعلم دليلا على التواصي بالشفاعة في الآخرة، ولا نعلم أن الصحابة أو السلف من بعدهم كانوا يتواصون بأن يشفع بعضهم لبعض في الآخرة.
وعلى كل حال: فالمؤمن يعلق قلبه بالله جل وعلا، ويرجو منه سبحانه أن ينجيه من كرب يوم القيامة، فالأمر كله بيده، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، والشافعون لا يشفعون إلا بإذنه سبحانه.
والشفاعة تكون في عرصات يوم القيامة، ومن الأدلة على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه: ... ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم، سلم قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب, وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم .. الحديث. وتكون كذلك بعد دخول الجنة، كما في الحديث: يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا ... الحديث أخرجه مسلم.
وانظري أنواع الشفاعة في الفتويين: 34463 - 22872.
والله أعلم.