السؤال
هل تجوز الإجابة على سؤال الملاحدة (من خلق الله؟) بالتالي:
أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل القوانين والبديهيات، ومنها أن (لكل صنعة صانع) خلقها ووضعها في الكون لنعرفه، ولكنه لا يخضع لها سبحانه.
يقول الشيخ محمد الغزالي: (إن الله يحكم قانون السببية ولا يحكمه قانون السببية) انتهى.
السؤال انتهى، ولكن للتوضيح فالله سبحانه هو الذي ربط الأسباب بالمسببات كما تحرق النار، وتقطع السكين، ولا تصنع الطائرة ذاتيا، فلا بد لها من صانع (قانون السببية).
ولو شاء الله لكان كل شيء يكون بدون الأسباب الوسيطة، وعليه فالسببية في كوننا قانون مخلوق.
فإن قيل قولكم إن (لكل صنعة صانع) لا ينطبق على الله، يبطل القانون بالكلية. قلنا: لا، لأن إلهنا (الله سبحانه وتعالى) (صفته الأزلية) إنه خالق غير مخلوق، لا يتأثر بالأسباب. وهذا ما أخبر به عن نفسه ونؤمن به. أما أنتم فتتأثرون بالأسباب.
وليس لأحد أن يقول هذا إلا المسلمين، فهم الوحيدون الذين في دينهم قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
أما الديانات الأخرى كلها بلا استثناء فتعبد مخلوقات تتأثر بالأسباب وتفتقر إليها، فلا يمكن القول إنها لا تخضع للسببية وتظل آلهة، فليس هذا من صفتها، فالظلمة والنور، والنار، والشجر، والحجر، والبقر، والبشر، والسماء، والصليب، والمسيح؛ بل وما يعتقده اليهود أن إلههم قد حواه الكون، وصارع رجلا يبين فساد عقيدتهم!!
فكما أو ضح ابن تيمية -رحمه الله- أن هناك قدرة الله وهي صفة ثابتة للخالق عز وجل أزلية غير مخلوقة، وهناك قدرة مخلوقة للعبد وبالتأكيد لا يتشابهان.
بالمثل فالسببية المخلوقة في الكون (لكل صنعة صانع) لا تماثل السببية التي ترتبط بصفة الله الخالق، وأنه سبب لكل مخلوق، ولكنه سبحانه ليس (صنعة) وحاشاه لينطبق عليه بديهية السببية التي وضعها في الكون لنفهم افتقارنا إليه وحاجتنا إلى خالق. والله أعلم.
فالخلاصة هل يصح قول إن الله سبحانه (خلق بديهة أن لكل صنعة صانع) فهو لا يخضع لها.
وجزيتم خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتصورنا للبديهيات وتعقلنا للعلوم الضرورية، هو الذي يوصف بكونه حادثا أو مخلوقا. وأما البديهيات نفسها فهي معان مجردة ليس لها خارج الذهن وجود مستقل.
وأما استدلالنا على وجود الله تعالى ببدهية أن لكل صنعة صانع، ولكل حادث محدث، فصحيح. ولا يصح نقض الملاحدة ذلك بأن هذا ينطبق على الله تعالى!! لأن هذه البدهية لا يمكن أن تتناول ـ لا بلفظها ولا بمعناها ـ : الخالق جل وعلا، لأنه سبحانه ليس بحادث ولا بصنعة !! وإنما هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الخالق الذي أوجد كل شيء من العدم. ومن البديهيات أن من هذه صفته لا يصح أن يقال في حقه: من الذي خلقه؟!! وإلا لحصل ما يعرف بالتسلسل أو الدور المنطقي، وهو محال عقلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل): تسلسل العلل والمعلولات ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء، وكذلك تسلسل الفعل والفاعلين، والخلق والخالقين، فيمتنع أن يكون للخالق خالق، وللخالق خالق إلى غير نهاية. اهـ.
وقال أيضا: لفظ التسلسل يراد به التسلسل في المؤثرات، وهو أن يكون للحادث فاعل، وللفاعل فاعل، وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء، وهذا هو التسلسل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يستعاذ بالله منه، وأمر بالانتهاء عنه، وأن يقول القائل: آمنت بالله ورسله. كما في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته اهـ.
وهذا المسلك من المسالك القريبة للرد على الملاحدة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 183621.
وأمر آخر يحسن ذكره كقاعدة عامة في الكلام في حق الخالق سبحانه، وهو أنه تعالى لا يشبه شيئا، ولا يشبهه شيء، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما قال عز وجل: فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11].
وقال ابن حزم في (الفصل): لما كان الباري تعالى بالبراهين الضرورية خلافا لجميع خلقه من جميع الوجوه، كان فعله خلافا لجميع أفعال خلقه من جميع الوجوه. اهـ.
والله أعلم.