حكم رؤية البرامج الساخرة

0 272

السؤال

هنالك برنامج تلفزيوني، هزلي، ‏يسمى: القلابس، يلبس فيه رجال دمى ‏بلاستيكية شبيهة بالشخصيات ‏السياسية، ويقلدون أصواتهم، وطريقة ‏نطقهم، وتصرفاتهم، قصد نقدهم، وقد ‏يتخيلون فيه كلاما من عندهم. هو ‏يحط من قدر الشخصيات وأغلب ‏الناس يشاهدونه ويحبون البرنامج؛ ‏لأنه مسل ومضحك.‏
هل تجوز مشاهدة البرنامج؟ هل تنتفي ‏صفة الغيبة فيه؛ لأن الشخص المقلد ‏يمكن أن يشاهد هو أيضا البرنامج، ‏فكأنه نقد مباشر؟
هنالك أيضا تقليد لشخصيات إسلامية؛ ‏لأن لديها أحزابا سياسية، ومنهم شيخ، ‏ويجعلونه في مواقف مضحكة، وهم ‏ينقدون قراراته ولكن ليس شخصه، ‏أحيانا يمثلونه يغني أغان على أنغام ‏أغان عالمية.‏
‏ فهل الضحك عليه يدخل في باب ‏السخرية من المؤمنين أو الاستهزاء ‏الكفري؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمحاكاة الناس وتقليد حركاتهم أو أصواتهم مما يشعر بتنقصهم: أمر منكر مذموم، وهو من أذية المسلم إن كان الشخص المحاكى حاضرا، ومن الغيبة المحرمة إن كان غائبا حتى وإن تمكن من مشاهدته بعد ذلك. ويزداد الأمر سوءا وقبحا إذا انضاف إليه قصد إضحاك الناس على هذا الشخص، فهو من السخرية والاستهزاء وإن زعم الزاعم أنه لم يقصد السخرية، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [الحجرات: 11].

  قال السعدي: {لا يسخر قوم من قوم} بكل كلام وقول وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرا من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم". ثم قال: {ولا تلمزوا أنفسكم} أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار. كما قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك. {ولا تنابزوا بالألقاب} أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه .. {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب. {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} فهذا هو الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله والاستغفار والمدح له مقابلة على ذمه. اهـ.

وراجع في ذلك الفتويين: 151061، 52261. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 60747، 15186.

ومثل هذه البرامج التي فيها مخالفات شرعية كالاستهزاء بالآخرين، لا يجوز متابعتها؛ وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 185013، 132555، 156579.

وقال البجيرمي في حاشيته تحفة الحبيب على شرح الخطيب: ما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه؛ لأنه رضا به، كما قاله ابن قاسم على المنهج. اهـ.
وفي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: قال الحلبي: وكل ما حرم، حرم التفرج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. اهـ.

وجاء في (الموسوعة الفقهية): قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمنا كان أو كافرا، واستدلوا بقوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. ولقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر. وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله، والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها. اهـ.

وأما السؤال عن كون هذا الاستهزاء كفريا؟ ففيه تفصيل يمكنك الاطلاع عليه في الفتوى رقم: 118350. وراجع في ماهية الاستهزاء الذي يعد كفرا الفتوى رقم: 137818.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات