الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا مسألة كون البلاء موكلا بالمنطق, ومستند هذا القول في الفتوى رقم: 197435.
وأما أسباب النجاة فاعلم أولا قبلها أن المسلم وإن كان مطالبا بالأخذ بأسباب النجاة إلا أنه ينبغي أن يلاحظ أمورا مهمة:
أولها: أن ما قدره الله تعالى كائن لا محالة, ولو سعى المرء للفرار منه, كما قال تعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم {آل عمران:154}, وكما في حديث: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه الطبراني مرفوعا, وغيره موقوفا, ومن أيقن بهذا استراح قلبه.
ثانيها: ليس معنى كون البلاء موكلا بالمنطق أنه لا يصيبه بلاء إلا بسبب منطقه, فالعبد قد يبتليه الله تعالى اختبارا أو عقابا ولو لم يتكلم بما يوافق المصيبة.
ثالثا: إن الإغراق في التخوف من المنطق خشية البلاء, والتدقيق في ربطه بما يقع من المصائب قد يجر صاحبه إلى التشاؤم, والتشاؤم منهي عنه.
فإذا تبين لك هذا: فاعلم أن من أسباب السلامة حفظ المنطق, وأن لا يتكلم الإنسان إلا بالكلام الطيب المشتمل على الفأل الحسن, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن الطيرة قال: ويعجبني الفأل, قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة. متفق عليه.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فحفظ المنطق, وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تمنى أن يحسن أمنيته, وقال: إن أحدكم لا يدري ما يكتب له من أمنيته, أي: ما يقدر له منها, وتكون أمنيته سبب حصول ما تمناه أو بعضه, وقد بلغك أو رأيت أخبار كثير من المتمنين أصابتهم أمانيهم أو بعضها . اهــ
وحفظ المنطق وضبط اللسان ممكن, وكون نبي من الأنبياء عليه السلام تكلم بما وافق مصيبة أصابته بعد لا يعني أن حفظ اللسان ليس ممكنا, فأنت تتحرز من القتل ولا تستسلم له لكون نبي من الأنبياء قتل, وتتحرز من أن تلقى في البئر ولا تستسلم له لكون يوسف عليه السلام ألقي في البئر, فهكذا تحرز في لفظك.
وأما عن الذكر بنية التحصن من الشيطان ... إلخ ما ذكرته: فهذا لا حرج فيه, وينبغي أن يكون بنية التقرب إلى الله تعالى, وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 197723 عن حكم من قصد بالطاعة ثمرتها العاجلة في الدنيا, والفتوى رقم: 192455عن الذكر بقصد التحصن من الشيطان وملاحظة الموعود الدنيوي هل يتنافيان مع الإخلاص.
والله تعالى أعلم.