السؤال
ما أمر به أصعب ابتلاء, وهو الابتلاء بالدين, وكثير من الأسئلة تدور في ذهني, وسأذكر واحدا منها, وهو عن الحديث القدسي: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به" وسؤالي: أليس المكوث في قبر صغير وانضمامه على الجسد تعذيب؟ أليس البعث وانشقاق السماء وتزلزل الأرض والحشر والأهوال كلها عذاب؟ أليس المرور على صراط جهنم عذاب؟ ولا توجد طريقة لننجو من ذلك, فهذا العذاب مصير محتم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل المحكم الذي لا شك فيه أن الله تعالى لا يظلم أحدا شيئا، ولو مثقال ذرة، قال سبحانه: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [النساء: 40] وقال عز وجل: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون [يونس: 44].
بل هو تبارك وتعالى أرحم الراحمين، وهو أرحم بنا من أمهاتنا، وهذه الرحمة التامة العامة تكون يوم القيامة أجمع ما يكون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام, فبها يتعاطفون, وبها يتراحمون, وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري: فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة.
وهذه الرحمة الواسعة أسعد الناس بها يوم القيامة هم المؤمنون الأتقياء، كما قال تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون (156) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي [الأعراف: 156، 157] وقال سبحانه: إن رحمت الله قريب من المحسنين [الأعراف: 56].
فمن أحسن عبادة الله في الدنيا فليبشر بكل خير، ولينتظر من ألطاف الله تعالى بعد موته ما لا يخطر له على بال، فالموت آخر كرباته، ولا يجد من أحوال القبر وأهوال القيامة شيئا من العذاب، وإن وجد شيئا من الألم فهو من جنس آلام الدنيا لا من العذاب ولا من العقاب!!
ولا بد من التفريق في الحكم والحال بين المؤمنين أتباع الرسل، وبين الفاجرين والكافرين، فلكل نوع يوم القيامة ما يناسب حاله، وهذا أصل قد تكاثر ذكره في القرآن، قال تعالى: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (35) والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (36) [الأعراف] وقال: وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (48) والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون (49) [الأنعام] وقال: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (60) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون (61) [الزمر].
فعلى الأخ السائل أن يجتهد ليكون من هؤلاء, ويستقيم على ذلك، وسيجد - إن شاء الله - ما يسره، وحسبك في ذلك أن تتدبر قول الله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) [فصلت] وقوله: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون (14) [الأحقاف] وقوله: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62) الذين آمنوا وكانوا يتقون (63) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (64) [يونس] ونحو ذلك من الآيات, وتستعصم بها، فإنه لا يخرج عنها حال المؤمن في قبره ولا في بعثه, فنحن نوقن أن المؤمن يفسح له في قبره, وينور له فيه، ويفتح له فيه باب من الجنة, فيأتيه من روحها وطيبها، إلى غير ذلك من أنواع النعيم في القبر، وراجع الفتويين: 4314، 16778, ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 60147.
وكذلك الحشر، يكون حال الإنسان فيه بحسب عمله، فإن كان تقيا حشر مكرما منعما، كما قال تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (85) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا (86) [مريم] قال ابن كثير: يخبر تعالى عن أوليائه المتقين، الذين خافوه في الدار الدنيا, واتبعوا رسله, وصدقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما عنه زجروهم: أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه, والوفد: هم القادمون ركبانا .. وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه، إلى دار كرامته ورضوانه, وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم، فإنهم يساقون عنفا إلى النار، وردا: عطاشا. اهـ.
فالمؤمنون أهل الجنة لا يحزنون إذا حزن الناس يوم القيامة، ولا يفزعون إذا فزعوا، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى، قوله سبحانه: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (101) لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون (102) لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (103) [الأنبياء].
وقد عقد الدكتور عمر الأشقر في كتاب القيامة الكبرى فصلا عن أحوال الناس في يوم القيامة فقال: تختلف أحوال الناس في ذلك اليوم اختلافا بينا، وسنعرض هنا لثلاثة: الكفار، وعصاة الموحدين، والأتقياء الصالحين. اهـ. ثم فصل ذلك, وإننا ننصح الأخ السائل بقراءة هذا الكتاب، بل وبقية هذه المجموعة المفيدة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة.
وقد سبق لنا بيان جملة من الآثار المترتبة على تقوى الله تعالى في الدنيا والآخرة, فراجع فيها الفتوى رقم: 33697.
وأما ما أشار إليه السائل في مسألة ضمة القبر، فقد سبق لنا الجواب عنها في الفتوى رقم: 134117.
والله أعلم.