بيان مشكل ما ورد عن الأحاديث من أمور القضاء

0 385

السؤال

كيف أوفق وأجمع بين الأحاديث التالية للرسول صلى الله عليه وسلم: رفعت الأقلام وجفت الصحف، لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، لا يرد القضاء إلا الدعاء؟ وكيف يرد الدعاء القضاء والأقلام قد رفعت؟ لا أقصد الاعتداء على الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين هذه الأحاديث، فإن ما قضاه الله وقدره ربطه بأسباب، ومن جملة هذه الأسباب الدعاء، فالبلاء ـ مثلا ـ قضاء، ورده بالدعاء كذلك قضاء، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: بل الفقيه كل الفقيه الذي يرد القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر، بل لا يمكن لإنسان أن يعيش إلا بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر.
وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الأحاديث منهم الطحاوي ـ رحمه الله ـ في شرح مشكل الآثار، فقد بوب بابا بعنوان: بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ـ وكان مما قال: هذا مما لا اختلاف فيه، إذ كان قد يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا، وإن لم تبر كذا، لما هو دون ذلك, وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا, وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا, وإن لم تعمله رزقت كذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه، وفي ذلك بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها, وانتفاء التضاد عنها. انتهى.

وقال أبو حامد الغزالي: فإن قلت: فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: خذوا حذركم ـ وأن لا يسقي الأرض بعد بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر، والذي قدر الخير قدره بسبب، والذي قدر الشر قدر لدفعه سببا، فلا تناقص بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته. انتهى.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ـ فما معنى ذلك؟ فأجاب: معناه: أن الدعاء سبب من أسباب القضاء، مثلا: إذا قدر الله على شخص مرضا أن يمرض مثلا عشرة أيام، ثم دعا فرفعه الله فهنا رد الدعاء القضاء، ويكون الله سبحانه وتعالى قد قدر أن ينقص هذا المرض بسبب دعائه، فالدعاء مكتوب، ونقص المرض مكتوب، وكذلك لو قال: البر وصلة الرحم أيضا: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. انتهى.

وأما ما جفت به الأقلام: فهو ما كتب في اللوح المحفوظ، فلا زيادة فيه ولا نقصان، وأما الذي يتبدل فهو ما في صحف الملائكة، ففي صحيح مسلم: جاء سراقة بن مالك بن جعشم قال: يا رسول الله؛ بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه، فسألت: ما قال؟ فقال: اعملوا فكل ميسر.

قال النووي رحمه الله: جفت به الأقلام ـ أي مضت به المقادير وسبق علم الله تعالى به وتمت كتابته في اللوح المحفوظ وجف القلم الذي كتب به وامتنعت فيه الزيادة والنقصان، قال العلماء: وكتاب الله تعالى ولوحه وقلمه والصحف المذكورة في الأحاديث كل ذلك مما يجب الإيمان به، وأما كيفية ذلك وصفته فعلمها إلى الله تعالى ولا يحيطون بشئء من علمه إلا بما شاء. انتهى.
وقال شيخ الإسلام: إن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة