السؤال
جزاكم الله خيرا, ونفع الله بكم المسلمين.
سأقوم بالسفر من أجل تدريب خاص بالعمل إلى دولة أجنبية، ويكون السفر يوم الإثنين والرجوع يوم السبت – أي: سأقيم في تلك الدولة 4 أيام بخلاف يومي السفر والرجوع - وحسب ما علمت أنني في هذه الفترة لا تنطبق علي أحكام المسافر من القصر والجمع وما إلى ذلك, وسؤالي بخصوص صلاة الجمعة بالتحديد؛ لأن يوم الجمعة يوم عمل، ولا مانع لدي أن أستأذن وأنصرف من التدريب وقت الصلاة، لكن مشكلتي أني لا أدري هل ستكون هناك مساجد قريبة في ذلك المكان الذي سأكون فيه أم لا, وقد بحثت في الخريطة ووجدت أقرب مسجد على بعد مسافة كبيرة, ولا بد لها من ركوب مواصلات - تاكسي أو قارب - وفي الواقع لا أدري ما أسعار هذه المواصلات هناك, فأنا أريد أن أعلم هل يوجد رخصة في أن أصلي الجمعة – بالتحديد – ظهرا؛ نتيجة لظروف السفر للدولة الأجنبية, ولعدم معرفتي الجيدة بالمكان، أم لا بد أن أحاول الوصول إلى ذلك المسجد؛ حتى لو كان بعيدا, وحتى لو كانت المواصلات باهظة الثمن؟ علما أني سأضطر غالبا لصلاة بقية الصلوات منفردا؛ لأنه لا يوجد أي رفيق مسلم معي في الرحلة - على حد علمي - ولبعد المسجد كثيرا - كما ذكرت - وهل يجزئ أن أحضر خطبة الجمعة بلغة لا أفهمها - إن لم أجد مساجد عربية - أم لا بد أن تكون الخطبة باللغة العربية؟
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فنقول ابتداء: إن العلماء مختلفون في المسافر إذا كان سينوي إقامة أربعة أيام في بلد ما هل ينقطع عنه حكم السفر أم لا؟ فمنهم من قال: ينقطع عنه حكم السفر, ويصير في حكم المقيم, وهو المفتى به عندنا, ومنهم من قال: لا ينقطع عنه حكم السفر ما دام لم ينو الإقامة المطلقة.
وعلى القول المفتى به عندنا: فما دامت المدينة التي ستقيم فيها تقام فيها الجمعة فإنه يجب عليك السعي إليها؛ لقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله {الجمعة: 9}, ولا نجد لك رخصة تبيح لك التخلف عنها ما دمت في مدينة تقام فيها الجمعة, وقد ذكر أهل العلم أن من كانوا داخل المدينة فإنهم يجب عليهم السعي للجمعة - ولو كانوا بعيدين عن محل إقامتها - كما بيناه في الفتوى رقم: 154277 عن المسافة الموجبة للسعي للجمعة.
وما ذكرته من عدم معرفتك بمكان المسجد ليس عذرا؛ إذ بإمكانك أن تستدل عليه بالسؤال, أو بالخرائط, ونحوها مما هو متيسر وموجود.
وأما بالنسبة لاستئجار سيارة للذهاب إلى الجمعة فإنك في الأصل لا تطالب بها, والواجب إنما هو السعي إلى الجمعة ماشيا أو راكبا عند دخول الوقت أو قبله إذا كان منزلك بعيدا, وعلمت أنك لو مشيت عند دخول الوقت لم تدركها, قال ابن قدامة في المغني: فأما من كان منزله بعيدا لا يدرك الجمعة بالسعي وقت النداء، فعليه السعي في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة؛ لأن الجمعة واجبة، والسعي قبل النداء من ضرورة إدراكها، وما لا يتم الواجب إلا به واجب. اهــ
وإذا كان المشي يشق عليك مشقة غير محتملة, وأمكنك استئجار سيارة لزمك؛ لما ذكره الفقهاء من لزوم المركوب للجمعة لمن تعذر عليه المشي , ففي أسنى المطالب: وتلزم الجمعة زمنا وشيخا هرما إن وجد مركوبا, ولو آدميا لا يشق ركوبه بملك أو إجارة ... اهــ
وجاء في شرح الخرشي على مختصر خليل عن الأعمى وسعيه للجمعة: ولو وجد قائدا بأجرة وجب عليه حيث كانت الأجرة أجرة المثل. اهــ
لكن إن كانت الأجرة باهظة فنرجو أن لا حرج عليك في التخلف حينئذ, قال الدسوقي في حاشيته عمن يشق عليه المشي للجمعة: فإن شق معه الإتيان ماشيا لا راكبا وجب عليه إن كانت الأجرة لا تجحف به وإلا لم تجب عليه ... اهــ .
وأما كون الخطبة بغير العربية فقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 12857 صحة الخطبة بغير العربية عند أكثر العلماء في حال العجز عن العربية, وأن حضورها واجب ولو مع عدم الفهم إذا لم يوجد غيرها.
والله تعالى أعلم.