الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله تعالى لنا ولك العافية والسلامة من كل سوء.. ثم إنه ليس عندنا ما يمكن الجزم به في تشخيص حالتك ولا في سبب كون ما تراه لا يأتيك إلا صباحا، ولكنا ننصحك أن تعالج الأمر بالحفاظ على أذكار الصباح والمساء وسؤال الله العافية وخاصة قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات مساء وصباحا، ففي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
ومن أهم الأدعية المأثورة في الأذكار الصباحية والمسائية سؤال الله العافية والأمن مما يخاف في الدعاء المأثور في الصباح والمساء، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وواظب على قراءة آية الكرسي عند النوم، ففي صحيح البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة: إذا أويت لفراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح...
واحرص على تكرار: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ـ سبع مرات، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناؤوط.
وعليك بقراءة أو تشغيل شريط سورة البقرة في البيت كل يوم فهو نافع في طرد الشياطين من البيت، لما في الحديث: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وأما الرقية الشرعية: فهي أمر مهم إذا أمكن المسلم أن يرقي نفسه، وقد قدمنا كيفية رقية المسلم نفسه بالفتوى رقم: 80694.
ولا حرج كذلك في أن تطلب الرقية ممن يحسنها من الرقاة المعروفين باتباع السنة والبعد عن الشعوذة والدجل، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على جواز الرقية، وجواز الاسترقاء، وهو طلب الرقية، ومن ذلك حديث عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله؛ كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. رواه مسلم.
وقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين. رواه البخاري ومسلم.
إلى غير ذلك من الأحاديث.
ولا تعارض بين هذه الأحاديث وحديث: يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. رواه البخاري ومسلم.
وقد جمع الإمام النووي ـ رحمه الله ـ بين هذا الحديث والأحاديث التي قبله فقال في شرح مسلم: فقد يظن مخالفا لهذه الأحاديث، ولا مخالفة، بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه. وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه، بل هو سنة. ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين: إن المدح في ترك الرقى للأفضلية، وبيان التوكل والذي فعل الرقى، وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها أفضل، وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه، والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تعالى، قال المازري: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر... وأما قوله في الرواية الأخرى: يا رسول الله؛ إنك نهيت عن الرقى ـ فأجاب العلماء عنه بأجوبة:
أحدها: كان نهى أولا، ثم نسخ ذلك، وأذن فيها وفعلها، واستقر الشرع على الإذن.
والثاني: أن النهي عن الرقى المجهولة كما سبق.
والثالث: أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة، أما قوله في الحديث الآخر: لا رقية إلا من عين أو حمة ـ فقال العلماء: لم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما، ومنعها فيما عداهما، وإنما المراد لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما. انتهى.
والله أعلم.