الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يفرج كربتك، ويحفظك من شر كل ذي شر، ونوصيك بالاستعانة بالله والالتجاء إليه، فهو ملجأ المضطرين وغياث الملهوفين ومجير المستجيرين، ونوصيك بالحرص على الطاعات، والبعد عن المحرمات بجميع صورها، وبأن تكثري من قراءة سورة البقرة، وخصوصاً الآيتين الأخيرتين منها، وبتكرار آية الكرسي، لما في الحديث: اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم.
وفي حديث آخر: إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه الألباني.
وفي البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: صدقك وهو كذوب.
وحافظي على قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً كل مساء وكل صباح، لما في الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك كل شيء. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني. وحافظي على الأذكار المقيدة والمطلقة، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وأكثري من الصدقات وسؤال الله العافية، والدعاء آخر الليل وفي السجود، فإن الله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186}، ثم إنه لا علم لنا بتفسير وتحليل ما يحصل لك، إلا أنا ننصحك بالحفاظ على الصلاة والإكثار من ذكر الله تعالى بالأذكار المأثورة صباحاً ومساء، وعند الدخول والخروج، والإكثار من التعوذ من الشر كله، وأن تقبلي على الله تعالى، وتلحي عليه في الدعاء مصدقة بوعده موقنة بالإجابة معتصمة بحوله وقوته، متبرئة من كل حول وقوة لغيره، فقد وعد سبحانه وتعالى الذين يدعونه بأنه سيستجيب دعوتهم، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}، ويشرع أن ترقي نفسك بالرقى الشرعية، أو تراجعي من يمكنه رقيتك من المعروفين بالنجاح في الرقية من أهل الاعتقاد الصحيح واتباع السنة، وعليك بالبعد عن المشعوذين والدجالين.
والرقية الشرعية قد بينها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الزاد فقال: فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين، وفاتحة الكتاب، وآية الكرسي، ومنها: التعوذات النبوية. نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. ونحو: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة. ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن. ومنها: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. ومنها: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم إنه لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، سبحانك وبحمدك. ومنها: أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، إن ربي على صراط مستقيم. ومنها: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
وإن شاء قال: تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الذي هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله من دعا، ليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. ومن جرب هذه الدعوات والعوذ، عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه، واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح، والسلاح بضاربه. انتهى.
ونوصي الأخت بمواصلة العلاج بالرقية الشرعية حتى يتم الله تعالى شفاءها، فإن العلاج قد يستغرق بعض الوقت حتى يصيب الداء الدواء فتبرأ بإذن الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام. رواه أبو داود.
وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل ، رواه مسلم.
ولا مانع مع الاستمرار على الرقية أن تأخذي بأسباب العلاج الأخرى، كالاستعانة بطبيب أمراض نفسية مسلم ثقة، ومباشرة أسباب الدواء المشروعة كشرب زمزم واستعمال الحبة السوداء والادهان بزيتها أو شربه، ويمكن قراءة القرآن على زمزم وزيت الحبة السوداء، ثم تتعالجي به شرباً أو ادهاناً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: زمزم طعام طعم، وشفاء سقم. رواه ابن أبي شيبة والبزار، وصححه الألباني في الترغيب. وفي الحديث أيضاً: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم. رواه الطبراني وابن حبان، قال المنذري: رواة الطبراني ثقات، وحسنه الألباني.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: كنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه، فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء.
هذا.. ونوصيك بحمل نفسك على حب أمك والبر بها، فقد أمر الله بالإحسان إلى الوالدين، فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {البقرة:83}، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على إرضائهما، فقال: رضى الرب في رضى الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. وقد حرم عقوق الأم فقال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات.... رواه البخاري ومسلم.
واعلمي أنه يُخاف عليك من غضب الله إذا كانت أمك ساخطة عليك، واعلمي أن دعوات الوالد على الولد أو له من الدعوات التي لا شك في استجابتها، كما في الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة، فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي. فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته. وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها. فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعنه في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، فقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. رواه البخاري مختصراً.
وأما البعد عن الله والتفريط في الطاعات فهو أخطر ما نخشاه عليك، فلا بد أن تعلمي أنه لا ملجأ ولا مفر إلا إلى الله تعالى وحده، قال الله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {الذاريات:50}، ووالله إن من أحسن اللجوء إليه وصدق في توكله عليه فلن يضام أبداً، ولن يضره شيء ما دامت السماوات والأرض، إلا بإذن الله، وأخلصي الدعاء لله تبارك وتعالى، وألحي عليه سبحانه في الدعاء، واعلمي أن الفرج قريب فلا تيأسي، وعليك بالمبادرة بالتوجه والإقبال على الله تعالى بالتوبة النصوح والمحافظة على الفرائض، والإكثار من أعمال الخير والنوافل، وابتعدي عن المعاصي، فإنها قد يحرم مقترفها من بعض حاجاته عقوبة له، ولتراجعي للمزيد في كيفية إبطال السحر وإخراج الجن وعلاج القلق والتحصن من الشرور كلها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30556، 4310، 34042، 51208، 13277، 13188، 19134، 6262، 6347، 31469، 58076، 30505، 33860، 36246، 68860، 64558، 16790.
والله أعلم.