الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القراءات التي صح سندها عن النبي عليه الصلاة والسلام مثل القراءات التي في صحيح البخاري ونحوه لا يوجد فيها شيء مخالف للغة العرب ـ حسب علمنا ـ وكيف يكون ذلك وهو أفصح العرب؟ كما قال السيوطي في كتابه المزهر في اللغة: أفصح الخلق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله حبيب رب العالمين جل وعلا. اهـ.
وإذا كنت اطلعت على من ذكر ذلك من أهل العلم فأرسل إلينا كلامه.
أما عدم القراءة بالقراءة المشهورة مع صحة سندها: فلكونها فقدت شرط التواتر، وربما كانت نسخت بالعرضة الأخيرة، قال الصفاقسي في كتابه غيث النفع في القراءات السبع: مذهب الأصوليين وفقهاء المذاهب والمحدثين والقراء أن التواتر شرط في صحة القراءة، ولاتثبت بالسند الصحيح غير المتواتر، ولو وافقت رسم المصاحف العثمانية والعربية. اهـ.
وقال الإمام النووي في المجموع: قال أصحابنا وغيرهم: لا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة، لأنها ليست قرآنا, فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر.... وأما الشاذة فليست متواترة, فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتها في الصلاة أو غيرها, وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ, وقد ذكرت تفصيله في التبيان في آداب حملة القرآن، ونقل الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها, قال العلماء: فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف ذلك, فإن عاد إليه بعد ذلك أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك, ويجب على كل مكلف قادر على الإنكار أن ينكر عليه, فإن قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذة، فإن لم يكن فيها تغير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصه صحت صلاته؛ وإلا فلا... اهـ.
أما أخذ بعض الفقهاء الأحكام الفقهية من هذه القراءات: فلأنها إذا ثبتت روايتها لا تقل شأنا عن أحاديث الآحاد وهي حجة، وقد ذكر السبكي في جمع الجوامع أن الأصح في القراءات الشاذة أنها يحتج بها في الأحكام، كما يحتج بأحاديث الآحاد، واشترط بعضهم في ذلك أن يرويها الرواة على أنها قرآن لا على أنها تفسير، قال السيوطي في الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع:
وأجمعوا أن الشواذ لم يبح قراءة بها ولكن الأصح
كخبر في الاحتجاج يجري وأنها التي وراء العشر.
وقال الجلال المحلي في شرح جمع الجوامع: ولا تجوز القراءة بالشاذ أي ما نقل قرآنا آحادا لا في الصلاة ولا خارجها بناء على الأصح المتقدم أنه ليس من القرآن، وتبطل الصلاة به إن غير المعنى وكان قارئه عامدا عالما، كما قاله النووي في فتاويه... أما إجراؤه مجرى الأخبار ـ الآحاد ـ في الاحتجاج فهو الصحيح، لأنه منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته, والثاني وعليه بعض أصحابنا: لا يحتج به، لأنه إنما نقل قرآنا ولم تثبت قرآنيته، وعلى الأول احتجاج كثير من فقهائنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما، وإنما لم يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين الذي هو أحد قولي الشافعي بقراءة متتابعات, قال المصنف: كأنه لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ نزلت فصيام ثلاثة أيام متتابعات فسقطت متتابعات. اهـ.
هذا، وننبه إلى أن القراءات العشر متواترة كلها كما قرره المحقق ابن الجزري، وقد نقل في ذلك فتوى الإمام السبكي وقد جاء فيها: القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل... اهـ.
وراجع للفائدة فتوانا رقم: 21627.
والله أعلم.