الفخر بالأحساب والتعصب للقبيلة.. نظرة شرعية أخلاقية

0 421

السؤال

أنا شخص- للأمانة- أعاني من ‏تعصب قبلي ومناطقي، وأكره الغير ‏لمجرد اختلاف القبيلة، أو اللهجة، أو ‏العادات، أو الشكل، وأفتخر بقبيلتي، ‏وأرضي بشدة، وأحاول إبراز اسم ‏قبيلتي وأفعالها من خلال تصرفاتي، ‏وأرى قبيلتي أفضل من القبيلة ‏الأخرى التي تعيش معنا. وقد يبرر ‏ذلك مواقف أراها من القبيلة الأخرى ‏مثل البخل، أو تصرف خاطئ من أحد ‏أفرادها. ‏
فما توجيهكم لي ولغيري جزاكم الله ‏خيرا، وللعلم أنا أعيش ببيئة متعصبة ‏وأولهم أقاربي؟
وما هو معيار حـبـي وكرهي للغير ؟
وما هو أيضا معيار الإعجاب ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالتعصب للقبيلة، أو للبلد المفضي لكراهية غير أهل قبيلتك وبلدك، والاستعلاء عليهم، يعتبر من العصبية المذمومة المحرمة وهو من دعوى الجاهلية، التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: من ادعى دعوى الجاهلية، فإنه من جثى جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام. فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي. وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: اقتتل غلامان. غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار. فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين. ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية؟!".

وأما الافتخار بالنسب، فهو مذموم ولا سيما إذا تضمن الاستعلاء على الآخرين، فقد وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة...".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام عن فخرهم برجال أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: ومعنى الفخر في الأحساب هو التكبر والتعظم بعد مناقبه ومآثر آبائه، وهذا يستلزم تفضيل الرجل نفسه على غيره ليحقره، وهو لا يجوز. وفي الحديث: كرم الرجل دينه، وحسبه وخلقه. وفي ذلك نفي ما كان عليه أهل الجاهلية، وفيه تنبيه على أن الحسب الذي يحمد به الإنسان ما تحلى به من خصال الخير في نفسه لا ما يعده من مفاخره ومآثر آبائه. والطعن في الأنساب أي إدخال العيب في أنساب الناس، وذلك يستلزم تحقير الرجل آباء غيره، وتفضيل آبائه على آباء غيره، وهو ممنوع. انتهى.

وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية ... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل، هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. اهـ.

والذي ينبغي للمسلم هو أن يجعل حبه لله، وفي الله،  فيحب المؤمنين من أجل دين الله وطاعته، وامتثال أوامره لا لمصلحة دنيوية أو قرابة، ويبغض العاصين بسبب معصيتهم بقدر معصيتهم، ويبغض الكافرين ويتبرأ منهم. ففي حديث الصحيحين: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. وفي حديث أبي داود: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل. رواه الطبراني وصححه الألباني.

قال صاحب تحفة الأحوذي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، أي يحبه لغرض وعرض وعوض، ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى، فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين. انتهى.

وقال المناوي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضا الله، حتى تكون محبته لأبويه، لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما، ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا.

وقال أيضا عند شرح حديث أبي داود: من أحب وأبغض وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان: من أحب لله أي لأجله ولوجهه مخلصا لا لميل قلبه وهو نفسه، وأبغض لله لا لإيذاء من أبغضه له بل لكفره أو عصيانه، وأعطى لله أي لثوابه ورضاه لا لميل نفسه، ومنع لله أي لأمر الله كأن لم يصرف الزكاة لكافر لخسته، وإلا لهاشمي لشرفه؛ بل لمنع الله لهما منها. انتهى.

وقال أيضا: أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله لا لغيره، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه، ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له. انتهى.

وأما حبك لقبيلتك لقرابتها، أو لأهل بلدك لجوارهم، فلا مانع منه، وإنما يمنع التعصب الجاهلي المذموم كما قال شيخ الإسلام: المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فعل أصل الجاهلية. فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب، أو مستحب. انتهى من اقتضاء الصراط المستقم.
وأما العجب، فهو سبب من أسباب الهلاك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ....وثلاث مهلكات : هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه . رواه البزار، والبيهقي وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير. وفي الحديث: بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به الأرض. فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. متفق عليه .

وراجع للمزيد في شأنه وفي علاجه الفتوى رقم:   151803

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة