الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الجزئيات الكثيرة التي عددتها كلها من باب واحد، لذلك لا نتشاغل بتعديدها، ونذكر ضابطا يسعها جميعا. فمرد الحكم في هذه المسائل إلى العدل بين الزوجات، والتسوية بينهن فيما زاد على الواجب، وخلاف العلماء في ذلك، وهذا بيان ذلك.
- رأى بعض أهل العلم أنه لا يجب على الزوج - إذا أدى الواجب الذي عليه - أن يسوي بين الزوجات فيما زاد على ذلك من الهبات والعطايا وغير ذلك.
قال الإمام الباجي المالكي في المنتقى: والضرب الثالث من الإيثار: أن يعطي كل واحدة منهما من النفقة والكسوة ما يجب لها، ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الخز والحرير والحلي، ففي العتبية من رواية ابن القاسم عن مالك: أن ذلك له. انتهى.
وقال في الشرح الكبير: وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة، والشهوات، والسكنى إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية؛ وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجبت لم يمكنه القيام بها إلا بحرج، فسقط وجوبها كالتسوية في الوطء.
- وفي المقابل رأى بعض من أهل العلم أنه تجب التسوية والعدل بين الزوجات حتى فيما هو فوق القدر الواجب.
قال ابن نافع: يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله، بعد إقامته لكل واحدة منهن ما يجب لها. انتهى.
- بينما رأى بعض من أهل العلم أنه تندب التسوية بينهن في كل شيء خروجا من خلاف من أوجب ذلك.
جاء في تحفة المحتاج: والأولى أن يسوي بينهن في سائر الاستمتاعات، ولا يجب؛ لتعلقها بالميل القهري، وكذا في التبرعات المالية فيما يظهر، خروجا من خلاف من أوجب التسوية فيها أيضا.
- والذي صوبه العلامة ابن عثيمين- رحمة الله- من هذا الخلاف: أن العدل في كل ما يملك أن يعدل فيه واجب.
قال في شرح الزاد: مسألة: هل يجب أن يعدل بين زوجاته في الهبة والعطية؟ يقول الفقهاء رحمهم الله: أما في النفقة الواجبة فواجب، وما عدا ذلك فليس بواجب؛ لأن الواجب هو الإنفاق، وقد قام به، وما عدا ذلك فإنه لا حرج عليه فيه، لكن هذا القول ضعيف. والصواب أنه يجب أن يعدل بين زوجاته في كل شيء يقدر عليه.
وقال أيضا في فتاوى نور على الدرب: والقول الصحيح في العدل بين الزوجات: أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه، سواء من الهدايا أو النفقات، بل وحتى الجماع إن قدر يجب عليه أن يعدل فيها.
- وقد جاء الشيخ السعدي في هذه المسألة بتفصيل خاص وهو: أن كل ما عده الناس جورا وظلما من الزوج في التعامل مع ضرائره فهو في الشرع جور يجب رفعه، وإحلال العدل فيه، وما ليس كذلك فلا حرج في التفضيل فيه.
يقول رحمه الله: أما تحريم الدخول إلى غير صاحبة الليلة إلا لضرورة في الليل، أو لحاجة في النهار، فالصواب في هذا الرجوع إلى عادة الوقت، وعرف الناس، وإذا كان دخوله على الأخرى ليلا أو نهارا لا يعده الناس جورا ولا ظلما، فالرجوع إلى العادة أصل كبير في كثير من الأمور خصوصا في المسائل التي لا دليل عليها، وهذه من هذا الباب.
ومن مجموع ما جرى سرده وتقريره من النقل تعلم ما في مسائلك من الخلاف بين أهل العلم.
والذي نراه أولى من هذه الأقوال أن يعدل الإنسان ويسوي بين زوجاته في كل ما يملك العدل فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ففي ذلك لا شك السلامة والاحتياط، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 191199 .
والله أعلم.