حرم على نفسه الانتفاع من أي مال اكتسبه من فوات صلاة الجماعة

0 291

السؤال

السادة الأفاضل، بعد مطالعتي لكثير من فتاويكم على موقعكم الكريم، قررت أن أحافظ على صلاة الجماعة بقدر ما أستطيع ـ والحمد لله ـ تذوقت حلاوة الصلاة في المسجد جماعة، وثمة شيء يقض مضجعي ولا أدري أهو وسواس أم لا؟ في بعض الأحيان قد يتعذر علي أن أصلي جماعة، أي أن صلاة الجماعة تفوتني، بسبب ظروف العمل، وفي هذه الحالة يوسوس لي الشيطان بأن ما أتقاضاه من مال من هذا العمل الذي تسبب في ضياع صلاة الجماعة حرام، قياسا على البيع وقت صلاة الجمعة، والأمر لا يقتصر على العمل، فقد تضيع صلاة الجماعة لأسباب أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، أثناء قضاء مصلحة من المصالح الدنيوية، أو أثناء حضوري إحدى الدورات التدريبية، ولا أريد أن أوسوس في هذا الشأن، لأنني أصبحت أحرم على نفسي أي منفعة تأتي من أي فعل قد يتسبب في ضياع صلاة الجماعة، دعوني أضرب لكم أمثلة حتى تتضح لكم الصورة كاملة: فأنا أعمل محاضرا في إحدى الجامعات الأجنبية مرتين في الأسبوع وتضيع مني صلاة الجماعة لصلاتي المغرب والعشاء، أنا لا أضيع الصلاة كلية حتى يخرح وقتها، فأنا أصلي أثناء الراحة منفردا، ولا سبيل لي غير ذلك، ولكن الشيطان بدأ يوسوس لي أن ما أتقاضاه من أموال حرام، لأنه جاء من عمل تسبب في ضياع صلاة الجماعة، مثال آخر: أرغب في الالتحاق بدورات دراسية في أحد المراكز الأجنبية، وهو أمر اختياري وليس إجباريا، ولكن هذه الدورة الدراسية ستعود علي بالنفع الكثير في حياتي العملية، والحضور في هذه الدورة مرتين في الأسبوع، لكن الشيطان وسوس لي وجعلني أؤجل الالتحاق بهذه الدورة الدراسية، لأن صلاة الجماعة لصلاتي المغرب والعشاء ستضيع علي مرتين في الأسبوع بسبب هذه الدورة، أنا لا أضيع الصلاة كلية حتى يخرح وقتها، بل إنني أتحدث عن ضياع صلاة الجماعة، ولا سبيل لي أن أصليها مع أحد من الحاضرين في هذه الدورة، لأن معظمهم لا يعيرون اهتماما لصلاة الجماعة، وباختصار، أصبحت بعد أن بدأت في الالتزام بصلاة الجماعة أحرم على نفسي أي مال أتقاضاه من أي عمل قد يتسبب في ضياع صلاة الجماعة، وأحرم على نفسي أيضـا أي منفعة تتأتى من أي فعل قد يتسبب في ضياع صلاة الجماعة، أحبكم في الله، وأثق في موقعكم الكريم جل الثقة، لأنه بفضل الله كان أحد الأسباب في بداية التزامي بصلاة الجماعة حتى تذوقت حلاوتها، ولكنني لا أريد لوساوس الشيطان أن تفسد علي هذا الفضل الكبير، فهل مالي حرام؟ وهل حضوري الدورة الدراسية سالفة الذكر حرام؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، ثم اعلم ـ أيها الأخ الفاضل ـ أن الجماعة وإن كان الراجح وجوبها على الأعيان إلا أنها تسقط لأعذار، ولم يضيق الله عز وجل على عباده ولا شرع لهم تعطيل مصالحهم وألا يقضوا حاجاتهم لأجل صلاة الجماعة، وانظر لبيان طرف من ذلك الفتوى رقم: 142417.

فإذا كان لك عذر يبيح ترك الجماعة كأن كنت أجيرا لحفظ مال يخشى ضياعه أو عمل يخاف عليه الفساد إذا ذهبت إلى المسجد أو منعك المستأجر الذهاب إلى المسجد فلا حرج عليك في ترك الجماعة إذا، قال في كشاف القناع في عد الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة: أو خائف من ضرر فيه ـ أي ماله ـ أو في معيشة يحتاجها، أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه كناطور بستان ونحوه، لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق. انتهى.

ونص بعض العلماء على أن الأجير يترك الجماعة إلا إن أذن له المستأجر، أو كان شرط ذلك عند العقد، قال في مطالب أولي النهى: ويتجه باحتمال قوي أن للأجير الخاص فعل الصلاة جماعة، لكن قال المجد: ظاهر النص أنه يمنع من خصوص الجماعة إلا بإذن أو شرط. انتهى.

فإذا علمت هذا، فإن كنت مستأجرا للتدريس فإن أمكنك أن تصلي جماعة مع بعض الطلاب في وقت الراحة فافعل، وإن لم يمكنك ذلك فلا إثم عليك، ولا إثم عليك في حضور ما تريد حضوره من الدورات مما لك فيه مصلحة، واحرص على الدعوة إلى الله وأن تبين للطلاب أهمية الصلاة وأهمية شأن صلاة الجماعة، ثم تحرص على الصلاة مع بعضهم في جماعة إن أمكن، وإن لم يتيسر لك ذلك ولم تتمكن من شهود الجماعة إلا بضرر يلحقك فلا إثم عليك في تركها، ولا تعلق للمال الذي تكتسبه بمسألة الجماعة، بل هو مال مباح ما دمت تكتسبه من حله، ولا حرج عليك في الانتفاع به كيف شئت.

هذا وسؤالك عن أحكام الشرع ومعرفة ما يجب عليك من الأمور المهمة التي لا ينبغي لك التفريط فيها مع الحرص على سد باب الوساوس فإنه من أبواب الشر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة