السؤال
هل يصح هذا الحديث: إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم كلمة أعادها ثلاثا.
وإن كان صحيحا فكيف نرد على الذين يقولون إن هذا التصرف تصرف شخص غير سوي؟
وشكرا لكم.
هل يصح هذا الحديث: إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم كلمة أعادها ثلاثا.
وإن كان صحيحا فكيف نرد على الذين يقولون إن هذا التصرف تصرف شخص غير سوي؟
وشكرا لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا؛ حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم؛ سلم عليهم ثلاثا. أخرجه البخاري.
وليس هذا تصرف شخص غير سوي، بل هو تصرف شخص حكيم، رحيم بأمته، حريص على تعليمها الخير حتى تحفظه وتفهمه عنه، وحتى يستوي في الفهم والأخذ عنه الأذكياء ومن دونهم.
وأما تكرار السلام، فيحتمل أنه كرره إذا لم يسمع صاحب البيت ويأذن له، فيكرر السلام ثلاثا، فإن لم يؤذن له رجع، ويدل لهذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له ؛ فليرجع . أخرجه البخاري.
ويحتمل أنه يسلم عند الاستئذان، وإذا دخل سلم على من لقيه، وإذا أراد الانصراف سلم تسليم الوداع.
قال المناوي في فيض القدير: وبين المراد بقوله: (حتى تفهم) وفي رواية للبخاري ليفهم بمثناة تحتية مضمومة، وبكسر الهاء وفي رواية له بفتحها (عنه) أي لتحفظ وتنقل عنه، وذلك إما لأن من الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه، فيكرره ليفهم ويرسخ في الذهن، وإما أن يكون المقول فيه بعض إشكال، فيتظاهر بالبيان دفع الشبه. وفي المستدرك حتى تعقل عنه بدل حتى تفهم، وهذا من شفقته وحسن تعليمه، وشدة النصح في تبليغه. قال ابن التين: وفيه أن الثلاث غاية ما يقع به الإقرار والبيان (وإذا أتى على قوم) أي وكان إذا قدم على قوم (فسلم عليهم) هو من تتميم الشرط (سلم عليهم) جواب الشرط (ثلاثا) قيل هذا في سلام الاستئذان، أما سلام المار فالمعروف فيه عدم التكرار؛ لخبر: إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاثا. واعترض بأن تسليم الاستئذان لا يثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا يثلث إذا حصل بالثانية.
قال الكرماني: والوجه أن معناه كان إذا أتى قوما يسلم تسليمة الاستئذان، ثم إذا قعد سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام سلم تسليمة الوداع، وهذه التسليمات كلها مسنونة، وكان يواظب عليها.
وقال ابن حجر: يحتمل أنه كان يفعله إذا خاف عدم سماع كلامه. اهـ.
وسبقه إليه جمع منهم ابن بطال فقال: يكرره إذا خشي أنه لا يفهم عنه أو لا يسمع، أو أراد الإبلاغ في التعليم، أو الزجر في الموعظة.
وقال النووي في الأذكار والرياض: هذا محمول على ما لو كان الجميع كثيرا. وفي مسلم عن المقداد: كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، فيجيئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان. اهـ.
وجرى عليه ابن القيم فقال: هذا في السلام على جمع كثير لا يبلغهم سلام واحد، فيسلم الثاني والثالث إذا ظن أن الأول لم يحصل به إسماع، ولو كان هديه دوام التسليم ثلاثا كان صحبه يسلمون عليه كذلك، وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثا، وإذا دخل بيته سلم ثلاثا، ومن تأمل هديه علم أنه ليس كذلك، وأن تكرار السلام كان أحيانا لعارض إلى هنا كلامه. اهـ.
والله أعلم.