السؤال
كنت أوسوس في التفويض، وصارحت زوجي بلفظ يحتمل التفويض، على سبيل المثال مرة قلت له إنه مجنون، وقلت له كأنك صدقت أنك مجنون؟ فقال لي: تخيلي أني مجنون، فقلت له: أذهب بك لشيخ يقرأ عليك، فقال لي: لا، لا، لا تكملين معي، أنهي الموضوع، بصيغة الأمر. وبعدها ضحكت، وقلت عبارة تدل على جنوني، فقال لي: أكملي حياتك معي، ظهر أننا كلنا مجانين، وقتها لم أهتم للموضوع؛ لأني لم أعلم بالتفويض، لكن بعد ماعلمت صارحته بالموضوع، وأخبرني أنه لم يكن يعلم أن الزوجه تفوض بهذا الأمر، والآن فقط علم بالأمر مني. فقلت له كي يستريح صدري قل لي: سحبت التفويض منك، فقال لي ذلك، وبعدها قال: لست مجنونا حتى أفوضك بمثل هذه المواضيع، استرحت قليلا، لكن سرعان ما عاودني الوسواس بأن زوجي عندما قال لي سحبت منك التفويض، كأنه إقرار منه بالتفويض بما سبق من الموقف السابق، وعلى هذا الأساس طوال الفترة السابقة كنت مفوضة ! هل هذا صحيح ؟ هل الفترة السابقة من بعد الموقف الذي حدث إلى قوله: سحبت التفويض أكون بحكم المفوضة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ظهر لنا من سؤالاتك أنك مصابة بوسوسة شديدة في هذا الأمر، والواجب عليك أن تطرحي هذا الوسواس خلف ظهرك؛ لأنه لا أثر له على الحياة الزوجية؛ إذ إن عقد الزواج رابطة وثيقة لا تحل إلا بأمر من الأمور اليقينية كالطلاق، والخلع ونحوهما، والأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزال بالشك، وكما أن النكاح لا يصح إلا إذا كان بلفظ دال على المقصود، فكذا لا يكون الطلاق إلا بما يدل عليه من صريح أو كناية، ولا بد في الكناية والتفويض من نية الطلاق, كما قال ابن قدامة: وقوله: أمرك بيدك، وقوله: اختاري نفسك، كناية في حق الزوج يفتقر إلى نية، أو دلالة حال، كما في سائر الكنايات، فإن عدما لم يقع به الطلاق؛ لأنه ليس بصريح. وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه، وبين أن تستمر في عصمته، فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت، فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق، صدقت. انتهى.
وفي الدر المختار وهو حنفي: ( قال لها اختاري، أو أمرك بيدك ينوي ) تفويض ( الطلاق ) لأنها كناية فلا يعملان بلا نية ... انتهى.
وما دام الزوج لم يكن عالما بشأن التفويض قبل كلامكما الذي ذكرت، فهذا دليل على أنه لم يفوض إليك شيئا، فعليك أن تريحي نفسك، وتعرضي عن الاسترسال مع الشيطان في هذا الأمر.
واعلمي أن رجوع الزوج عن التفويض، مقبول عند جمع من أهل العلم، وخالف المالكية في هذا، ولكنهم يرون -لو أنه فوض فعلا- فبقاؤك معه فترة وهو يعاشرك، يدل على أنك لم تتصرفي بالتفويض، ولم تطلقي نفسك، وأنه بطل أمر التفويض، فقد نصوا على أن تفويض الزوجة بالطلاق يسقط بتمكين الزوجة زوجها من الوطء، أو مقدماته.
وقال ابن قدامة في المغني: فإن رجع الزوج فيما جعل إليها، أو قالت فسخت ما جعلت إليك، بطل. وبذلك قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والأوزاعي، وإسحاق، وقال الزهري، والثوري، ومالك، وأصحاب الرأي: ليس له الرجوع. وقال: وإن وطئها الزوج كان رجوعا؛ لأنه نوع توكيل، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل.
وجاء في الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير قوله: ( و ) عمل بجوابها الصريح في ( رده ) أي الطلاق قولا كاخترتك زوجا ورددت لك ما ملكتني، أو فعلا ( كتمكينها ) من الوطء، أو مقدماته....اهـ.
والله أعلم.