الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 169847، 132451، 58058، حكم صلاة من انكشف شيء من أسفل ظهره أثناء الصلاة, وما فيها يغني عن الإعادة هنا.
ولا شك أن ما ذكرته مما سميته ـ موضة ـ مشتمل على أمور محرمة, فلبس الحظاظة ـ وهي حسب اطلاعنا سوار مطاط أو نحوه يلبس في اليد بزعم جلب الحظ ـ فلبسها إذن محرم، لكون ذلك داخلا في عموم لبس التميمة, والتميمة لا تجلب خيرا ولا تدفع ضرا، والذي يجلب الخير ويدفع الضر هو الله تعالى، وفي الحديث: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. رواه أبو داود.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تعليق التميمة شركا، كما في الحديث: إن الرقى والتمائم والتولة شرك. رواه أحمد.
ودعا على معلقها، فقال: من تعلق تميمة فلا أتم الله له. رواه أحمد.
ولبس خاتم الذهب وساعة الذهب حرام على الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي... رواه أحمد والترمذي والنسائي.
ولبس الرجل قلادة في عنقه وسوارا في يده ـ انسيال ـ فيه تشبه بالنساء، وهو محرم، ففي البخاري من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء...
وحلق الشعر بالطريقة المذكورة إذا كان فيه تشبه بالغربيين الكفار، فإن التشبه بهم دائر بين الكراهة والتحريم وقد رجح بعض المحققين التحريم، لما في الحديث: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا كان أخذ الشعر على وجه التشبه بالفرنسيين أو غير الفرنسيين من الكفار فهو حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم. اهـ.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن لجوء بعض أولياء الأمور إلى قص شعر أولادهم الصغار قصات دخيلة أو أجنبية كالفرنسية وغيرها فما حكم ذلك؟ فأجاب بقوله: حكم ذلك بينه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: من تشبه بقوم فهو منهم ـ فإذا قص الإنسان شعر أولاده الذكور أو الإناث على صفة رءوس الكفار، فإنه آثم، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ معلقا على هذا الحديث: من تشبه بقوم فهو منهم ـ قال: هذا الحديث أقل أحواله التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، لأنه قال: من تشبه بقوم فهو منهم ـ فعلى الإنسان أن يتقي الله ربه وأن يعلم أنه مسئول عن تربية أولاده. اهـ.
وكذا تعليق صور الفساق من المغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات مع ما فيه من اتخاذ صور ذوات الأرواح، وهذا محرم فهو محرم أيضا لما فيه من تمجيد أولئك الفساق ومحبتهم والإشادة بهم, وهم يستحقون الذم والبغض في الله تعالى لا أن تعلق صورهم، وأما فتح الرجل أزرار قميصه: فهذا جائز في الأصل, وقد قال أبو داود في سننه: باب في حل الأزرار.
ثم روى بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار. الحديث صححه الألباني.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، لأن العادة عندهم جرت به ولم يفعله على سبيل التعبد, ومثل ذلك إطالة الشعر فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أطال شعره، ولكن مثل هذه الأمور تخضع للعرف، فإذا تبدل العرف وصار فتح القميص وإطالة الشعر شعارا للفساق، فإنه لا ينبغي للمسلم فعله، لما فيه من التشبه بهم, قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إطالة شعر الرأس لا بأس به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه فهو على الأصل، لا بأس به، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم، فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة! فالمسألة إذا بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم، فلا بأس به، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة، فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها، ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها ـ كان يتخذ الشعر، لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة. اهــ.
ولهذا، ينبغي أن ينصح هؤلاء الشباب وأن يحثوا ويرغبوا في الاعتزاز بالدين والتمسك به، وأن يحذروا من اللهث وراء أعداء الأمة وحضارتهم الزائف، ويمكن الاستفادة من الفتوى رقم: 75785.
والله أعلم.