السؤال
نسمع من بعض العلماء أن الأرض ثابتة، وأن الشمس هي التي تدور حولها، مستندين الى حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن، فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم. وزاد بعضهم بالقول إن القول بدوران الأرض يقود إلى التعطيل، وأن كل دليل من الكتاب والسنة على دوران الأرض فهو تأويل باطل. وأيضا قرأت في أحد كتب ابن القيم- لست متأكدا- إجماع السلف على دوران الشمس حول الأرض، ولا شك عند أي عاقل أن الارض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. هذه معلومة بديهية جدا، تدرس حتى لطلاب المتوسطة.
فما رأيكم في ذلك الموضوع وهل يمكن أن ندخل حديث: إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى عدة أنه ليس هناك دليل شرعي ينفي دوران الأرض حول الشمس، وبينا خطأ من قال من العلماء إن أدلة الشرع تدل على أن الأرض لا تدور حول الشمس، وذكرنا أن هذا الأمر أصبح حقيقة علمية مسلمة؛ فراجع ذلك في الفتاوى أرقام: 99520 56931 59419 12870
وما نقله السائل من حكاية ابن القيم للإجماع في هذه المسألة لم نقف عليه.
وأما حديث أبي ذر- رضي الله عنه- فلا نعلم من استدل به على ثبات الأرض وعدم دورانها، والاستدل به إنما هو على جريان الشمس، كما قال سبحانه: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم {يس:38}. وجريان الشمس لا ينافي دوران الأرض حول الشمس، كما بينا في الفتاوى المشار إليها.
وعلى كل حال، فحديث أبي ذر هو خبر من النبي صلى الله عليه وسلم، لا يتطرق إليه احتمال الكذب أو الخطأ البتة، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك.
وليس لأحد أن يكذب شيئا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، استدلالا بحديث: ( إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، واذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر ) فهذا سبيل المتهوكين.
قال الإمام أحمد: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة، وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: 63] الآية، وأي فتنة إنما هي الكفر . اهـ.
وأما المراد بحديث : ( إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ...) فيقول الشيخ المعلمي فيه :( وذكر قصة التأبير، فدونك تحقيقها: أخرج مسلم في صحيحه من حديث طلحة قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال: (ما يصنع هؤلاء)؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أظن يغني ذلك شيئا). قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل). ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه: (فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا. فتركوه، فنقصت. فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا) ثم أخرجه عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وعن ثابت عن أنس .. .) وفيه (فقال: لو لم تفلعوا لصلح ). وقال في آخره: (أنتم أعلم بأمر دنياكم) .
عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة: (ما أظن يغني ذلك شيئا )، إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعا، وخطأ الظن ليس كذبا، وفي معناه قوله في حديث رافع: (لعلكم .. .) . وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد؛ لأن حمادا كان يخطئ . وقوله في حديث طلحة: (فإني لن أكذب على الله ) فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ؛ لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمدا معلوم من باب أولى، بل كان معلوما عندهم قطعا. اهـ.
والله أعلم.