السؤال
كنت أسمع دائما أن هناك شيئا اسمه رضاع الكبير، وكنت بمجرد سماع ذلك المصطلح أتخيل أنه يمكن للرجل أن يرضع من ثدي المرأة الأجنبية، وكنت أقول في نفسي ـ من المستحيل أن يكون ذلك صحيحا ـ وكنت أستهزئ في قرارة نفسي بهذا المعني والتصور ولم أهتم بالبحث في هذا الأمر، لأنني شعرت أنه لن تفيدني معرفته، ولكن جاء وقت غلبني فيه الفضول فقمت بالبحث عن معنى ذلك، ففوجئت أن ما كنت أتخيله صحيحا، لما علمت ما حدث من إرضاع سهلة بنت سهيل لسالم، وطلب عائشة من أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال، فتعجبت كيف يمكن لرجل بالغ أن يرضع من ثدي امرأة أجنبية عنه، أو حتي من المحارم مثل الأم والخالة؟ وقد وجدت أن هناك آراء تقول إن المقصود بالرضاع في هذا الشأن هو إعطاء الحليب في إناء وليس مص الثدي، ولكنني وجدت بعض الآراء الأخرى تقول إنه يجوز رضاع الكبير بمص الثدي في حالة الضرورة مثل رأي ابن حزم، وهذا يعني أنه يوجد ولو مع احتمال ضئيل أن الرضاع في حادثة سهلة بنت سهيل وأم كلثوم وبنات أخي عائشة ـ رضي الله عنها ـ قد حدث بمص الثدي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فائدة من البحث عن هذا الاحتمال الضعيف، ومادام يمكن حمل الأمر على ما هو مستساغ شرعا، فلا تلتفت إلى ما سوى ذلك من التخمينات والاحتمالات، وقد جاء رواية لابن سعد في سندها الواقدي أن سالما شرب اللبن الذي حلبته له سهلة، فقد روى ابن سعد في طبقاته: قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة. اهـ.
وقال أبو عمر في التمهيد: إرضاع الكبير كما ذكر: يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل، فلا لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء، وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة وإن لم يمصه من ثديه... اهـ.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ بمحلها عنده، وما أحب من ائتلافهما، ونفي الوحشة عنهما ـ أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، ويطيب نفسه بدخوله، فقال لها: أرضعيه ـ ولم يرد: ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال، ولكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه، ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له وما لا يؤمن معه من الشهوة؟. اهـ.
والله أعلم.