السؤال
إذا قلت: إذا حدث كذا وكذا، أو إذا فزت عليك في كذا وكذا ـ فلك مبلغ من المال، وإن لم يحدث فلن أعطيك ولن تعطيني شيئا، فما حكم ذلك؟ وهل يعتبر من الرهان؟ وإذا لم يعتبر رهانا فماذا يسمى؟ وهل هناك من قال بتحريمه؟ وإذا كان لا يجوز، فهل يجب أن أعطيه ما وعدته إياه؟ أتمنى أن أجد الجواب الكافي، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرهان يأتي في النصوص وكلام الفقهاء على معنيين:
الأول: المسابقة: ولها نوعان: مسابقة بغير عوض، ومسابقة بعوض، فأما المسابقة بغير عوض، فالأصل جوازها عند عامة الفقهاء في كل شيء تباح فيه، خلافا للحنفية الذين لم يجوزوها إلا في أربعة أشياء: الخيل والإبل والرمي والمسابقة بالأقدام.
وأما المسابقة بعوض: فمذهب الجمهور أنها لا تجوز إلا في الرمي والخيل والإبل، لورود الحديث بذلك: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر. رواه أبو داود، وصححه ابن حبان.
وتوسع الشافعية في ذلك فألحقوا بالثلاثة التي في الحديث كل ما هو من آلة الحرب، وأجاز آخرون من أهل العلم بذل العوض في المسابقات العلمية، التي يستعان بها على إقامة الدين وإعلاء شأنه، كمسابقات حفظ القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأما ما لا فائدة فيه ـ مثل مهارشة الكلاب ـ فلا تصح المسابقة فيه بلا خلاف، سواء كان بعوض أم بغير عوض، هذا ملخص ما في الموسوعة الفقهية الكويتية.
والمسابقات التي يحرم بذل العوض فيها لا فرق في تحريمها بين أن يكون بذل المال من المتسابقين، أو من أحدهما، أو من طرف خارجي.
والمعني الثاني للرهان: هو المخاطرة، وهو بهذا المعنى محرم شرعا، ولو كان دفع المال من طرف واحد عند عامة العلماء. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يأتي الرهان على معان منها: المخاطرة: جاء في لسان العرب: الرهان والمراهنة: المخاطرة، يقال: راهنه في كذا، وهم يتراهنون، وأرهنوا بينهم خطرا، وصورة هذا المعنى من معاني الرهان: أن يتراهن شخصان أو حزبان على شيء يمكن حصوله، كما يمكن عدم حصوله بدونه، كأن يقولا مثلا: إن لم تمطر السماء غدا فلك علي كذا من المال، وإلا فلي عليك مثله من المال، والرهان بهذا المعنى حرام باتفاق الفقهاء بين الملتزمين بأحكام الإسلام من المسلمين والذميين، لأن كلا منهم متردد بين أن يغنم أو يغرم، وهو صورة القمار المحرم. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ما حكم المراهنة والتي تسمى بأنها حق، وما حكمها إذا كانت من طرف واحد، كأن يقول الشخص: إن تم هذا الموضوع فلكم علي حق أن أعزمكم مثلا؟ وجزاكم الله خيرا. ج: لا تجوز المراهنة بالمال إلا فيما استثناه الشارع، وهو: السباق على الخيل، أو الإبل، أو الرماية، وما عدا ذلك من أنواع المراهنات لا يجوز أخذ المال فيه، لأنه من أكل المال بالباطل، ومن الميسر الذي حرمه الله ورسوله، وأما قول الشخص: إن تم لي هذا الأمر فلكم علي كذا، فهذا من باب الوعد، والوفاء به مشروع إذا تيسر ذلك. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز: تقول السائلات: بعض الناس يراهن فيقول: إذا كان كذا سأعطيك ما قيمته كذا وكذا، والعكس، وهذا يسمونه الرهان، هل هو حلال أم حرام؟ فأجاب: هذا ليس بحلال، بل هو محرم، هذه مراهنة من باب القمار والميسر، الذي قال الله فيه سبحانه: ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ـ والميسر هو القمار، مثل: إن كان كذا فكذا، وإن كان كذا، فكذا، وإن كان فلان جاء فلك كذا، وإن كان ما جاء فعليك كذا، أو: إن كان الذي معك حجر أو ذهب، على حسب ما يختلفان فيه، المقصود أن مثل هذه المراهنات تعتبر من جملة الميسر والقمار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافرـ والسبق العوض، يعني: لا عوض إلا في نصل، أو خف أو حافر، يعني: في الرمي وفي مسابقات الخيل، أو المسابقة بالإبل. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: إذا كان الرهن من طرف واحد, مثلا: زيد وعمرو, قال زيد: إذا وقع هذا الشيء لك ألف ريال, لكن عمرو لم يقل هذا الشيء، لأنه طرف آخر؟ الشيخ: لماذا استحقها عمرو؟! هل عمل عملا؟ إذا لم يعمل عملا وليس فيه مقابلة فهو من أكل المال بالباطل. اهـ.
والصورة الجائز في مثل هذا هي الوعد بالهبة عند حصول هذا الأمر المعين ـ كما تقدمت الإشارة إليه في فتوى اللجنة الدائمة ـ فيعد الباذل الطرف الآخر أنه إن حصل هذا الأمر فسيعطيه كذا، لكن الوعد غير ملزم، فيكون الواعد بالخيار إن شاء وفى، وإن شاء لم يف.
والله أعلم.