السؤال
السؤال هو: أنا في ألم وضنك متواصلين، أفاض علي ربي من كل النعم وابتلاني بأخت سيئة، وصفات أختي هي: عاقة لوالديها بشكل كبير وشاربة للخمر ـ وجدنا في غرفتها زجاجة، واعترفت بلسانها ـ كما وجدنا في غرفتها ملابس داخلية لرجال، وتنام خارج البيت في بعض الأيام
وتواصل الأذى باللسان وغيره لإخوانها وأسرهم، وتخرج إلى الأماكن العامة بلباس لا يليق، وإلى البحر بملابس الغرب، وأقل ما يقال فيها إنها خادشة للحياء، لا يعرف إسلامها من عدمه، لأن آخر ما كانت تفعله هو الصلاة وقد تركتها، وما تقدم أنا متأكد منه ورأيته بعيني، أما ما سمعته والكلام منقول عنها ـ قالته بلسانها: أسرت إلى بعض الأشخاص بنيتها ترك الإسلام والانتقال إلى المسيحية، تعرف شابا مسيحيا وتعتبره زوجا لها في كل تصرفاتها وتصر عليه بالزواج منها رسميا، مع العلم أن الوالد يعيش معنا ويعلم بعض الأمور السابقة وهي تكذب عليه وتبرر كل أفعالها بطريقة ذكية، نصحناها كثيرا وبكافة السبل، وهي لا تحبنا ولا تستجيب لنا، حاولنا نصحها عن طريق وسطاء، ولكن لا فائدة، وهي ماضية في طريقها، ابتلاها الله بمقدمات مرض خطير ولكن لا زالت على ما هي عليه، ونحن لا نستطيع منعها بالقوة، فعمرها فوق 30 سنة، ونحن نعيش في بلد إسلامي ولكنه يعطي الحرية للنساء والرجال والقانون في صفها، قررت ترك البيت والخروج للسكن في بيت منفصل، فما حكم هذه الأخت؟ وكيف أتصرف معها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما آلت إليه حال بعض المسلمين من الفساد والانحلال وصارت بعض بلاد المسلمين تحاكي بلاد الكفار في الفجور، فتقر المنكرات، بل وتحميها وتقوض الفضائل.
ثم اعلم أن أختك إذا كانت على تلك الحال التي وصفت، فهي على خطر عظيم، فإنها إما أن تكون قد ارتدت عن الدين وخلعت ربقة الإسلام من عنقها، وإما أنها على شفا الكفر وحافة الهلاك، فالواجب عليك أن تنصحها وتأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر، وتحول بينها وبين أسباب الفساد ما استطعت، واعلم أن المسئول الأول عنها هو أبوها، فبين له ذلك بحكمة وأدب، وذكره بمسئوليته أمام الله عنها، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة {التحريم: 6}.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ........ والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم... متفق عليه.
قال ابن عبد البر: فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم ويوقفهم عليه ويمنعهم منه ويعلمهم ذلك كله.
وقال النووي: باب وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة وتأديبهم ومنعهم من ارتكاب منهي عنه.
ولا يجوز تركها تنفرد بالسكن والحال هكذا، قال ابن عابدين معلقا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة:.. والظاهر أن الجد كذلك، بل غيره من العصبات كالأخ والعم، ولم أر من صرح بذلك، ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي، وهذا في زماننا غير واقع فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه ويقدر على حفظه، فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه لا سيما من يلحقه عاره، وذلك أيضا من أعظم صلة الرحم، والشرع أمر بصلتها وبدفع المنكر ما أمكن.
وعلى المسلم أن يقيم في البلد الذي يتمكن فيه من إظهار دينه ويأمن على نفسه وأهله الفتنة، وإذا كانت المفاسد متفاوتة في البلاد فعليه أن يقيم في البلد الذي تقل فيه المفسدة عن غيرها، قال في فتح العلي المالك: وقد روى أشهب عن مالك: لا يقيم أحد في موضع يعمل فيه بغير الحق، قال في العارضة: فإن قيل: فإن لم يوجد بلد إلا كذلك، قلنا: يختار المرء أقلها، إنما مثل أن يكون بلد فيه كفر فبلد فيه جور خير منه.
والله أعلم.