السؤال
أحب أن أشكر الموقع الجميل الذي كان أول موقع فتحته ولقيته بعد ما ربنا هداني واستفدت منه كثيرا: قرأت في إحدى الفتاوى التي على الموقع أن الله سبحانه وتعالى قادر على ستر الإنسان وأنه عز وجل قادر علي كل شيء، وفي فتوى أخرى من الفتاوى هناك بنت تقول إنه بعد أن سترها الله فضحت بعد سنتين ولما قرأت رد الشيخ قال إن الشيطان له دور كبير في فضح الإنسان، وأنا الآن في حيرة من هذا الأمر، فأرجو الإفادة وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالسؤال غير واضح، لكن من المعلوم أن من صفات الله جل وعلا الستر، جاء في كتاب صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة للشيخ علوي السقاف: الستر صفة فعلية لله عز وجل ثابتة بالسنة الصحيحة، والستير من أسمائه تعالى، الدليل:
1ـ حديـث يعلى بن أمية ـ رضي الله عنـه ـ مرفوعا: إن الله عز وجل حليـم، حيي، ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم، ليستتر ـ رواه أبو دواد، والنسائي، وأحمد، والبيهقي، انظر: صحيح سنن النسائي ـ 1ـ 87ـ وإرواء الغليل ـ 7ـ 367.
2ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة ـ رواه مسلم: 2590.
قال ابن القيم في النونية ـ2ـ80:
وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران.
وستير بكسر السين وتشديد التاء ستير، أو بفتح السين وكسر وتخفيف التاء ستير، قال ابن الأثير في النهاية: ستير: فعيل بمعنى فاعل: أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون ـ وستير، أي: يحب الستر لعباده المؤمنين ستر عوراتهم، وستر ذنوبهم، فيأمرهم أن يستروا عوراتهم، وأن لا يجاهروا بمعاصيهم في الدنيا، وهو يسترها عليهم في الآخرة، فائدة: اعلم أن الستار ليس من أسمائه تعالى، ولم يرد ما يدل على ذلك، خلاف ما هو شائع عند عوام الناس. اهـ.
لكن الله عز وجل بحكمته قد يفضح بعض عباده ويرفع ستره عنهم، كما جاء في الحديث: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.
ومن سعة ستر الله سبحانه أنه لا يهتك ستر عبده عند أول ذنب، أخرج أبو داود في الزهد عن أنس بن مالك قال: أتي عمر بشاب قد سرق، فقال: والله ما سرقت قبلها قط: فقال عمر: كذبت والله، ما كان الله ليسلم عبدا عند أول ذنب.
والفضح نوع من العقوبة، وقد تكون خيرا للعبد، فيكفر بها من خطاياه، وتكون سببا لتوبته وأوبته، كما أن الستر ليس خيرا للعبد على كل حال، فقد يكون مكرا واستدراجا للعبد، فليس كل من ستر الله عليه خيرا من كل من كشف عنه الستر، وإذا أراد الله فضح عبد، فقد تقع الفضيحة من العبد نفسه، فيكشف الستر عن نفسه، وقد يزين له الشيطان ذلك فيدعوه إلى الفضيحة، أو يدعو غيره إلى ذلك، ولا يقع شيء من ذلك إلا بتقدير الله تعالى، فكل شيء بقدر، فالله تعالى إن شاء ستر عبده، وإن شاء فضحه، والفضيحة قد تقع من العبد نفسه، وقد تقع من غيره، والشيطان يحب الفضيحة ويسعى إليها، ولا يخرج شيء عن قدر الله تعالى، وقد يستر الله العبد مدة، ثم يفضحه، ولله في ذلك الحكمة التامة سبحانه.
والله أعلم.