0 266

السؤال

وصلني جوابكم برقم: "2396171 " عن صبغ الشعر بالسواد, وهناك بعض الملاحظات التي أشعر أنكم لم تطلعوا عليها جيدا قبل سرد جوابكم، مع فائق احترامي لكم, وتقديري لجوابكم الكافي, قولكم: "وليعلم أنه ليس لأحد من الأئمة المقبولين ... الخ. جوابه: هم إذا كانوا منعوه - كما تعلمون - فمنعوه كراهة تنزيهية وليس تحريمية, فالمواقف تدل يقينا جازما أنه ثبت الصبغ بالسواد، فقد نقلت ما فيه الكفاية, ولم أجد لكم أي روايات تدل على الجزم أنه محرم غير حديث لأبي قحافة، وقولكم: "فإنه جاء فيها الاحتمالات العقلية التي يمكن أن تحصل للصحابة، فإنه لا يعقل عنهم تعمد خلاف حديث بلغهم ... الخ. فهل يعقل أنه لم يصح عند كل الصحابة الذين صبغوا! فالصحابة المبشرون بالجنة قد خالفوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم دون تعمد مثل: المسح على بعض الشعر، فلم يثبت ذلك في وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلا لبسه للعمامة - وهذا شيء آخر - وثبت حلق الشارب, بل ثبت أن خمسة من الصحابة فعلوه, وأخذ عبد الله بن عمر ما زاد عن القبضة حينما اعتمر... الخ، وهو مناف للسنة تماما، وإذ كان هناك مخالفة لأئمة أهل العلم في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهم في أول الأمر وآخره لا يقصدون المخالفة بحد ذاتها, بل يقصدون الاجتهاد عموما، لكي يوضحوا لأمة الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو المكروه وما هو المحرم, وقد سردت لكم الأحاديث التي تبين أن الراجح منها ضعيف، ولا يدل منع الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي قحافة أنه منعه للتحريم, وإذا كانت جميع أدلتكم من أقوال أهل العلم تدور على قول: (النووي, والشوكاني, وقول اللجنة الدائمة للإفتاء) فلم يكن هناك أي داع لتعبكم ونشر فتواهم، فقد قلت لكم: إنني أعرف ذلك، فتحية لكم, وتقديرا لكم على جهدكم، أما الشيخ الألباني – رحمة الله - فمعروف بمخالفته للإجماع في بعض فتاواه, وهو من العلماء المعاصرين أيضا الذي قد ذكرته لكم في الفتوى السابقة، بل العلامة المحدث: الحويني قد خالفه في علم الحديث, وقوله: "لا حجة في الأخذ بما فعله الصحابة" قول - لا أقول لكم لا يعقله عالم - بل لا يعقله عاقل، بل إن فيه تشددا زائدا, فمن المعروف أن أي أمر ورد عن الصحابة نستدل به مباشرة دون شك، وأنتم أول من تفعلون ذلك في موقعكم, وفي نفس الوقت تقولون: لا يصح فعل ذلك, انظروا إلى التناقض في أقوالكم!! فأنا أشعر أنكم تشككون في الصحابة والفقهاء بما يتراءى لكم, وتخضعون أقوال الصحابة والفقهاء لما يتراءى لكم!! وهذا بالطبع أمر - أرى أنه - مذموم، ولا يدخل في باب الاجتهاد أصلا قول ابن تيمية وابن القيم – عليهم رحمة الله- بكراهة الصبغ بالسواد وليس التحريم، حتى وإن لم يصل الحديث للأئمة كما ينبغي، فهل لم يصل إلى جميع الفقهاء!؟ وهل لم يصل أيضا إلى ابن تيمية؟ وإذا كان شيخ الإسلام قد أشار إلى ما أشار إليه عن الأئمة الأربعة، فهذا ليس دليلا، فاتفاقهم حجة كافية، وأنا أعلم أنهم معرضون أن يخطئوا ويصيبوا، والمخالفة لهم شيء وارد، فقول ابن تيمية - إن دل - فيدل على أنه لا يجب الأخذ بقول الأئمة في كل شيء، ولكن بالطبع لا يصح لأي أحد أن يشكك في علم هؤلاء الجهابذة, وإن كانوا استدلوا بأحاديث فإنهم استدلوا أيضا بفعل الصحابة وأنهم خصبوا بالسواد، غير أن ابن تيمية معروف بمخالفته لجمهور الفقهاء في كثير من فتاواه، هذا بالإضافة إلى أنكم بنيتم 90% من حججكم في أغلب فتواكم على قول جمهور الفقهاء، وهذه تحية لكم على ورعكم للخروج من الشبهات، وأنتم تعلمون عموما أن الراجح هو الأقوى دليلا من وجهة نظر المفتي, حتى وإن كان مرجوحا، وليس قول الجمهور، وللمستفتي أن يأخذ بما يشاء إذ كان قولا سائدا, أو قولا له نظر بين العلماء الموثقين، وقد ضعفتم كل الروايات المثبتة للصبغ بالسواد عن جميع الصحابة، ولم توضحوا من الذين ضعفوا تلك الروايات؟ ومن الذين اعتقدوا أنه ليس سوادا بل شديد الحمرة؟ فقول: "إن من رآه اعتقده أسود" كلام غريب نوعا ما, لذلك أرغب في أن توضحوا من هم الذين اعتقدوا أنه أسود؟ فإذا كان لا توجد رواية في ذلك تستطيعون توضيحها, فبارك الله لكم على استنباطكم واجتهادكم, وزادكم الله علما ونفعا؛ وأستودعكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنشكرك على مواصلتك الاتصال بنا.

ويبدو عليك أنك تستطيع البحث والتدقيق في الأقوال, ونحن أبدينا لك سابقا بعض ما اطلعنا عليه من كلام العلماء في المسألة, ولا يخفى على أي مسلم أن الأفضل دائما هو التمسك بما هو أحوط, وأقرب للورع, وأسلم, ونرجو منك التكرم ببحث هذه المسألة بنفسك, وحاول أن تبحث في كلام الفقهاء وشراح الحديث: هل حمل السلف كلام من منع السواد على التحريم أم الكراهة؟ وهل ما ورد عن بعض السلف من الصبغ بالسواد - إن صح عنهم - يقوى على الوقوف أمام النصوص الدالة على النهي عنه؟ فحاول أن تجمع من كلام العلماء ما تيسر في هذه الأمور, واعرضه على العلماء, وتحاور معهم بشأنه.

ونوصيك بالإخلاص, وأن تسأل الله دائما أن يهديك للحق فيما اختلف فيه, ومما يحسن أن تكثر قيام الليل، وأن تدعو في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائما، كما في حديث عائشة أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أخرجه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة